مجلة أفيرز الأميركية : مودي يدفع الهند نحو الثورة

يشير الكاتب براتاب بهانو ميهتا في مقال نشرته مجلة أفيرز الأميركية إلى خروج الهنود خلال الأسبوع الماضي إلى شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج على قانون المواطنة الجديد الذي أثار جدلاً كبيرا.

ويقول إنهم تظاهروا بأعداد كبيرة، رغم فرض أوامر تحظر تنظيم تجمعات عامة، وإن الاحتجاجات التي اندلعت في عشرات الجامعات في جميع أنحاء الهند أدت إلى شن الحكومة حملة قمع عنيفة أسفرت عن اعتقال الآلاف، غير أنها ظلت مستمرة.

ويشير المقال إلى أن موجة المظاهرات الأخيرة تعد من أكبر حركات الاحتجاج التي شهدتها البلاد منذ عقود عدة، وذلك على الرغم من أن الحكومة لجأت إلى إغلاق شبكات الإنترنت والهاتف المحمول في العديد من المناطق (بما في ذلك نيودلهي)، إلا أنها لم تتمكن من احتواء النطاق الهائل للاحتجاجات.

ويضيف الكاتب أنه منذ إعادة انتخابها في مايو/أيار الماضي، اتخذت الحكومة القومية الهندوسية برئاسة ناريندرا مودي سلسلة من الإجراءات السياسية المثيرة للجدل والانقسامات، والتي شملت تجريد كشمير من وضعها شبه المستقل، كما أضحت حكومة مودي تتخذ تدابير أكثر استبدادية، مما دفع مجتمع الأعمال التجاري في الهند إلى التعبير عن استيائه من الأجواء المضطربة التي تعاني منها البلاد

البرلمان الهندي
لكن قانون تعديل المواطنة الذي أقره البرلمان الهندي يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس.

وذكر الكاتب أنه بموجب القانون الجديد، فسيُمنح أفراد من أقليات الهندوس والسيخ والبوذيين والجانيين والمسيحيين والبارسيين القادمين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان إلى الهند بطريقة غير شرعية فرصة للحصول على حق المواطنة.

غير أن الحكومة من خلال هذا البند البسيط، أعادت تعريف الهوية الوطنية الهندية التي أضحت ترتبط بالدين، الأمر الذي أثار أزمة تتعلق بالدستور العلماني الهندي.

تعديل المواطنة
ويقول الكاتب إن قانون تعديل المواطنة يعد تحديًا للطابع العلماني الذي تتسم به الهند، حيث يجب أن يكون للمجموعات المذكورة في القانون القدرة على أن يصبح أفرادها مواطنون متجنسون.

ويضيف أنه يمكن لأي دولة أن تختار اللاجئين أو المهاجرين غير النظاميين الذين ترغب في منحهم حق المواطنة استنادا على مجموعة متنوعة من العوامل، منها تقييم المخاطر التي يشكلها هؤلاء الأفراد، ومتطلبات القانون الدولي، فضلا عن العلاقات التاريخية التي تربطها بذلك البلد، والكثير من الحقائق العملية للهجرة.

ويشير الكاتب إلى أن البرلمان ربط بشكل واضح الهوية الدينية بحق الحصول على المواطنة، وذلك للمرة الأولى منذ اعتماد دستور الهند في عام 1949.

وأفاد بأن الحكومة تصر على أن هذه الأقليات معرضة للخطر في أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، وأنه من غير المرجح أن تجد ملجأً في أماكن أخرى، ويستدرك أن هذه الحجة تُخفي في طياتها بعض النوايا السيئة، وذلك لكون هذا القانون:

أولا- يتجاهل الجماعات المسلمة المضطهدة في تلك البلدان، مثل الأحمديين في باكستان.

ثانيا- تطرق إلى البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مستثنيا المصادر المحتملة الأخرى للاجئين والمهاجرين غير النظاميين، مثل ميانمار المجاورة وسريلانكا، ويستثني القانون الروهينغا من الحصول على حق المواطنة في الهند على سبيل المثال.

آلية التجنيس
ويضيف المقال أن الحكومة الهندوسية تزعم أن المجموعات التي لا يشملها القانون يمكن أن تقدم طلب الحصول على حق المواطنة متّبعة آليات التجنيس الحالية.

ويتساءل الكاتب: لماذا لا ينبغي لأعضاء جميع الجماعات المضطهدة اعتماد الآلية القانونية ذاتها؟ ويقول إنه على ضوء هذه الاعتبارات، فيمكن أن يُستخلص أن الغرض من القانون الجديد ليس فقط حماية المجموعات المذكورة، بل إقصاء المسلمين والنظر إليهم بصورة غير متكافئة مع الآخرين.

وأكد الكاتب أن القانون يعيد تعريف الهوية الوطنية الهندية، مما يساهم في اقتراب الهند نحو أن تصبح دولة عرقّية.

سجلات المواطن

ينتدعي الحكومة أن القانون الجديد لن يؤثر على حقوق أي مواطن مسلم حالي في الهند. من الناحية القانونية، تعد ادعاءاتها صحيحة، لكن يتمثل الجانب السلبي لهذا القانون، الذي كان مرفقا باقتراح إجراء آخر، في إنشاء الحكومة سجلا وطنيا للمواطنين يتضمن الوضع القانوني لجميع الأفراد في الهند. حيال هذه النقطة، لسائل أن يسأل: كيف ستحدد السلطات هوية المواطنين في بلد يفتقر فيه الكثير من الهنود الفقراء إلى وثائق تحديد الهوية؟

وأشار الكاتب إلى أنه خلال حملة توثيق الجنسية في آسام، كافح ملايين الفقراء الذين لا يحملون شهادات ميلاد أو أي وثيقة أخرى من أجل إثبات أنهم مواطنون في الهند. هذه العملية البيروقراطية والتعسفية تركت الكثيرين يعانون في معسكرات الاعتقال.

ويضيف أن حوالي 1.9 مليون شخص يواجهون احتمال تجريدهم من الجنسية في ولاية آسام، بيد أن هذا القانون الذي سنّته الحكومة يطمئن الهندوس الذين ثبت أنهم غير قانونيين بأنه لن يقع تجريدهم من الجنسية، لكنه لا يقدم أي ضمانات مماثلة للمسلمين، بل إن هذا التعديل يخلق نظامًا للتمييز مُصادقا عليه قانونيا، الأمر الذي يمثل إهانة لديمقراطية الهند العلمانية.

السخط الشعبيويقول الكاتب إن قانون الجنسية أثار موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة في جميع أنحاء البلاد، وإن هذه الاحتجاجات قد تقود البلاد إلى منعرج خطير، وذلك إثر اتخاذ الحكومة الهندوسية جملة من التدابير القمعية لاحتواء هذه الاحتجاجات المشروعة.

وشدد على أن الحراك الشعبي ضد قانون المواطنة قد يكون عاملا مساهما في تجديد دستور الهند، لكنه من المحتمل أن يضطر إلى مواجهة الرياح المعاكسة للقومية الهندوسية لمودي.

ويختتم الكاتب بأن تعديل قانون المواطنة نبّه الهند إلى الخطر الذي يحدق بها ويهدد قيمها الدستورية الأساسية، وأن الطريق لاستعادة هذه القيم وحمايتها قد يكون طويلا وشاقًا.

المصدر : فورين أفيرز,الجزيرة

اترك تعليقاً