سماحة الشيخ المفتي فضل الحق الأميني رحمه الله (1945-2012م)

فضل الحق الأميني من أبرز رجال الدين، والمحرك الديني، والشيخ المتفنن في بنجلاديش

التعريف بشخصيته في فقرة : إن الأرض من عجائب الله ، ومن عجائبها الإنسان، إن الله خلق الأراضين والسموات لإقامة حكمه، واجتبى الإنسان خليفة له، لأن الناس قابل لها، ولقد عاشوا في الضلال والظلام قرنا بعد قرن متواليا، وقد نسوا خالقهم ومصيرهم، واتخذوا من دون الله آلهة، فأرسل الله إليهم الرسل والأنبياء لايحصى عددهم لإرشاد الناس إلى دين الله المتين، الذين أزالوا الفساد والضلال من كل مكان بأنوار الهداية والإرشاد.

قدم النبي صلي الله عليه وسلم في هذا العالم، وانتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن أقلع جذور الضلالة، وفي غيبوبته تولى الخلافة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم خلفة، الذين كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، ثم تولى أمر الدين ونشره حملة العلم، وبهذه السلسلة ارتفعت أصوات الحق على لسان عباد الله الآخرين في كل قرن وفي كل دهر، و صفحات التاريخ مشرقة بأسمائهم، لايعدهم عاد.

وفي هذه السلسلة شهدت بنغلاديش عالما نبيلا، محركا للأنشطة الدينية في البلاد، مدير الأحزاب المتحدة الإسلامية، أسد البنغال، أمير منظمة تنفيذ القوانين الإسلامية، هو فذ من الأفذاذ، كانت له شخصية جامعة وشاملة، وصفات متميزة، قل نظيرها في عصره، وسيندر بل يعجز أن يأتي الزمان بمثله إلا أن يشاء الله.

فإذا نظرنا إليه من ناحية العلم فهو في قمته، ارتوى من مناهل القرآن والسنة، وإن نظرنا من ناحية الرحلة والسياحة في مهمات وندوات دعوية فقد طوى أرض العرب والعجم، جاب الأرض من مدنها وقراها في دأب وصبر، وأما إذا نظرنا إليه من ناحية الجهاد في سبيل الله وجدناه في ذروته، فقد جاهد في سبيل الله بالفعل والعمل، قبل أن جاهد باللسان ولو بلغ منه ذلك جهد كبير، وهو سماحة الشيخ فضيلة المفتى العلامة فضل الحق الأمينى رحمه الله تعالى.

ولادته ونشأته :

ولد هذا الرجل العظيم في أسرة كريمة وعشيرة دينية في حضانه "واعظ الدين وفولبان النساء"، في قرية أمين بور من محافظة "برهمن باريا" التاريخية (التي نسميها شهيد باريا)، في الخامس عشر من نوفمبر 1945م، وكان الشيخ له أخوان وثلاث أخوات. الأول : نور الحق، والثاني : فضل الحق، وأخته الأولى : أمينة بيجوم، الثانية : مؤمنة بيجوم، والثاثلة : أم رومانة، بيد أن إحدىهن ماتت عقب ولادتها.

حياته الدراسية : 

 كان رحمه الله قد تلقى تعليمه الابتدائي من أبيه الشفيق وأمه الحنون، ثم التحق بالجامعة اليونوسية بـ"برهمن باريا" ولكنه لم يكن منهمكا في الدراسة في أول وهلته، فلذا انتقله أبوه بمشاورة العلامة سراج الإسلام رحمه الله المشهوربـ"رئيس المفسرين" من "برهمن باريا" إلى مدرسة مصطفى غنج في "بكرام بور"، التي تتبع محكمة منشي غنج في مديرية دكا، ودرس هناك ثلاث سنوات، ثم التحق بـ" الجامعة الحسينية أشرف العلوم بروكترة" بـ"داكا القديمة"، لأنه كان هناك سماحة الشيخ محمد الله المعروف بـ"حافظجي حضور" رحمه الله، ثم بعد أن مضت عدة أيام غادر فضيلة الشيخ شمس الحق الفريد بوري وسماحة الشيخ محمد الله جامعة بركترة، واتخذا القرار في الجامعة القرآنية بـ"لالباغ"، استصحبا شيخَنا فضل الحق الأميني أيضا.

وكان سماحة الشيخ قد أتم الدراسة حسب منهاج المروج للمدارس الأهلية، وكان الشيخ في مستهل حياته طردا شامخا في العلم وطلبه، وكان يطغي جذوة يومه ويحرق فحم ليله في الدراسة، وكان الشيخ جمع إلى نجاحه في الدراسة نبله في خلقه، وكان منقطع النظير بين أقرانه، حتى أشير إليه بالبنان من أيام دراسته، وقد كان يمتاز عن كثير من الطلاب بسلامة العقل، وجرأة القلب، وبحسن الخلق، والسمع والطاعة، و حدة العقل ومضائه، وصحة الفهم، ولاسيما بعبقرية حافلة، فتلقى الدراسة فيها ثماني سنوات تحت رعايتها، وواصل الدراسة فيها وتخرج من دورة الحديث بنجاح باهر.

ثم في نهاية المطاف بصدد الرحلات العلمية سافر الشيخ رحمه الله إلى باكستان بأمر شمس الحق الفريد بوري، وأخبر الشيخ الفريد بوري العلامة يوسف بنوري في بنوري تاون، التابعة لكراتشي قائلا : إنني قد أرسلت إليك تلميذي وفلذة كبدي لسنتين، فتقبله يوسف بنوري، وفرح به وتعجب من ذكائه وأدبه واجتهاده، فبعد مضي سنة دعا سماحة الشيخ يوسف بنوري شيخنا فضل الحق الأميني، وقال له : إذهب فضل الحق إلى بلادك، واشتغل بالتدريس، قد انتهت دراستك في باكستان!

شيوخه : وكان أكثر من لازمهم في بنغلاديش وتشرب من علومهم وفكرهم وملك عليهم قلبه: 1) سماحة الشيخ شمس الحق الفريد بوري رحمه الله تعالى.

2) سماحة الشيخ محمد الله الحافظجي حضور رحمه الله تعالى.

3) سماحة السيخ عبد الوهاب "برجي" رحمه الله تعالى.

4) سماحة الشيخ عزيز الحق رحمه الله تعالى المشهور بشيخ الحديث في بنغلاديش.

5) رئيس المفسرين سراج الإسلام رحمه الله تعالى.

ومن تلاميذه:

1)فضيلة الشيخ المفتي دلاور حسين حفظه الله تعالى.

2)فضيلة الشيخ المفتي عمران المظهري حفظه الله تعالى.

3)فضيلة الشيخ أبو طاهر المصباح حفظه الله تعالى.

4)فضيلة الشيخ محب الله حفظه الله تعالى.

5)فضيلة الشيخ المفتي يحي حفظه الله تعالى.

6)فضيلة الشيخ شبير أحمد حفظه الله تعالى.

7)فضيلة الشيخ عبد الغفار حفظه الله تعالى.

8)فضيلة الشيخ عبد المتين حفظه الله تعالى.

حياته العملية :

بعد أن رجع إلى البلاد قام بمنصب الإمام والخطيب في سوق بازار بـ"داكا القديمة"، ولم يمض على ذلك طويل وقت حتى دعاه الشيخ محمد الله المعروف بحافظجي حضور رحمه الله إلى الجامعة النورية بـ"كمرنغرجر" (في حضن العاصمة دكا)، ليشتغل بالتدريس في تلك الجامعة، ولكن عندما أغارت حكومة باكستان على البنغاليين، أغلقت المدارس الأهلية والرسمية، إلا المدرسة الإسلامية مؤمن بور بمحافظة صاندبور، فأرسل إليها حافظجي حضور رحمه الله شيخنا فضل الحق الأميني، هناك قد حفظ القرآن خلال تسعة أشهر.

ثم تولى منصب الفتاوى بالجامعة القرآنية بـ"لالباغ" سنة خمس وسبعين وتسع مائة وألف، وبالتالي ترقى إلى منصب نائب الرئيس بالجامعة ومنصب المفتي الأعظم، وغب أيام انتقل فضيلة الأستاذ حافظجي حضور رحمه الله إلى جوار ربه ورحمته، فوليت عليه مسؤولية إدارة الجامعة، وقام بمنصب تدريس صحيح البخاري إلى آخر حياته، وبجانب التدريس كان يحضر الحفلات الدعوية الإسلامية، ويحاضر ويعظ الناس عبر البلاد، وكان الناس يحضرون لسماع وعظه كالفراش المبثوث من مختلف المناطق في البلاد.

الشيخ فضل الحق الأميني يخطب

دوره في استعادة مجد المسلمين الغابر:

وله يد بيضاء في ساحة السياسة الإسلامية في بنغلاديش، فلما نشأ" حزب حركة الخلافة"تحت رياسة الشيخ محمد الله حافظجي حضور رحمه الله تعالى، عين الشيخ المفتي الأميني رحمه الله تعالى الأمين العام لهذا الحزب الإسلامي، وكان الشيخ الأميني رحمه الله تعالى القائد الأعظم في معظم الحركات الإسلامية،منها الحركات ضد الملحدين ، والمسيرة الطويلة للمحافظة على"بابري مسجد" بالهند، وتنفيذ حركة القانون لتطوير النساء، وإلقاء الحد على الفتاوى الإسلامية.

ولما ارتفعت نشطات أعداء الإسلام لإقامة نظرياتهم ، نظم الشيخ رحمه الله تعالى لجنة لتنفيذ القانون الإسلامي، وكان رئيسا للأحزاب المتحدة الإسلامية ، وكان الشيخ قدم نفسه مرشحا في الانتخاب الثامن من المنطقة الانتخابية" سرائيل" التابعة لمحافظة برهمن باريا، وحصل على المقعد في البرلمان بأصوات غير منظورة.

مكونات حياته:

وكان أبوه واعظ الدين يحب العلماء بكل معاني المحبة والوفاء والتقدير، ويعجبه أن يقضي أوقاته في مجالس العلماء، فكان يرتحل إلى الجامعة اليونسية ويجلس في درس الشيخ فخر البنغال العلامة تاج الإسلام رحمه الله تعالى، ويتمنى يكون ابنه فضل الحق أيضا عالما ماهرا مثله، فيوما قال الشيخ تاج الإسلام رحمه الله تعالى لنور الحق الأخ الكبير لفضل الحق الكبير: "مارأيت أحدا مثل أبيك يربي في قلبه حبا غزيرا تجاه العلماء، فلا ينتج حبه هذا إلا ثمرة حسنة"، وهذه الثمرة هي شيخنا الأميني رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

دوره في قمع البدع والخرافات:

قد عرفته بلادنا من شرقه إلى غربه، وعلم الإسلام كان يقاوم أعداءه ويكافح الباطل بأي طريق جاء، غير هياب ولاوجل، وكان يخاطب رئيس الدولة ورئيس الوزراء بكل صراحة وجرائة، ولايخاف في الله لومة لائم، وكان ينفي عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

دخوله السجن من أجل الدين :

وفي طريق الدعوة ذاق مرارة السجن مرارا عديدة من قبل الحكومة الظالمة، فاحتمل مشقاته صابرا وشاكرا، وكان شيخنا يهتف دائما ضد البدع والخرفات، وكان نشر التوحيد الخالص شغله الشاغل، وكان أمضى العمر في تدريس الحديث و الاشتغال بالعلم والفقه، وضحي في تحقيق أهداف في سبيل الله حيات روحه.

أبرز مزاياه:

كان من عادته أنه لما يأتي الناس إليه بقضية واجهتهم يستمع الشيخ رحمه الله إلى القضية، ويشترك معهم في حلها، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويجامل الناس في مناسبات مختلفة، ويشعر دائما أنه مع الناس وبالناس.

ومن أهم مزاياه أنه كان يطالع الكتب مطالعة كثيرة بالانهماك، وكان يضرب بالمثال في أوساط العلمية في بنجلاديش، و فيها قصص معجبة، ذات يوم كان شيخنا في محطة القطار، والناس كلهم مشغولون بأشغالهم متنوعة، هذا يجري، وذلك يصرخ، بعضهم تسطع عيونهم للرجوع إلى بيوتهم، وبعضهم راجعون إلى أشغالهم مرة أخرى بعد الإجازة، وجماعة منهم ذاهبون إلى بيوتهم في العطلة.

وكان الشيخ يريد بيته بمناسبة الإجازة في جامعته، ومعه كتاب من كتبه الحبيب، فلما قدم المحطة أخبر بأن القطار سيتأخر قليلا، فجلس على كرسي الانتظار بالرصيف، وكأنه قال في نفسه: لابأس، معي حبيبي الكتاب، فلا انزعاج، وفتح كتابه وبدأ يتحدث مع حبيبه،حتى استغرق فيه تماما، وغاب عنه كل شيئ حوله، حتى أن جاء القطار فأسرع إليه المسافرون، ونزل، بعد برهة من الزمن صفر القطار صفرة الرحيل ،ثم غادر المحطة، ولم يشعر الطالب –الشيخ الأميني- بأي شيئ، وهو غريق في مطالعته!

وبعد مدة طويلة انتبه واستيقظ من مطالعته، فسأل الناس ألم يصل القطار الفلاني حتى الأن؟ قالوا: نعم! قد وصل وغادر أيضا! ولكنه لم يشعر بذلك أي شيئ ! متى وصل ومتى غادر، هل فهمتم أحبائ من كان ذلك الطالب المطالع؟ أنه كان الشيخ المفتي فضل الحق الأميني رحمه الله تعالى.

ومن أبرز مزياه:

مع هذه المحاسن في نفسه كان أصفر الناس في عينه، لايعجبه الشهرة،فكان يتوارى عن أعين الناس، ويتجنب عن ملاقاة الصحفيين، وكان متواضعا، حريصا على كتمان مزاياه، فكأنه كان مثلا أعلى لقوله عليه الصلاة والسلام: من تواضع لله رفعه الله.

مؤلفاته :

إن الشيخ الموصوف رحمه الله مع كثيرة اشتغاله السياسة كتب بعض الكتب أيضا، (1) "درس البخاري" لأسلافنا السالفين. (2) القانون الإسلامي دميغ للقانون الوضعي. (3) طريق المطالعة. (4) التلميذ المثالي. (5) فتاوى الجامعة. (6) في سبيل الله. (7) تعليم الكربلة. (8) تلاوة القرآن. (9) الدين الإلهي. (10) الدعاء و المناجات، وله كتب أخرى.

أسرته:

أنجب رحمه الله تعالى ابنين، الأول: أبو الفرح ، والثاني: أبو الحسنات،وله أربع بنات، الأولى: زينب، والثانية: عائشة، و الثاثلة: زكية، والرابعة: فرحانة، وكل عضو من أعضاء أسرته مشتغل بمهنته منذ اختتام حياتهم الدراسية.

وفاته:

قد انتقل هذا القائد العظيم والمزكي الكريم إلى رحمة الله تعالى، في منتصف ليلة الأربعاء السابع والعشرين من شهر المحرم الحرام سنة 1433ه، الموافقة الثانية عشرة من ديسمبر سنة 2012م، بعد قضى 67 سنة من عمره في حياته كاملة بالدعوة الجهد والتعليم وقمع البدع والخرافات، وقد صلي عليه في مصلى العيد الوطني أمام المحكمة العليا، شيع جنازته أكثر من مئات الألوف، معظمهم العلماء والطلبة والدعاة، والمفكرون والسياسيون والصحفيون، يمثلون شتى شرائح وأحزاب بنجلاديش، جاؤوا من تلقاء أنفسهم من جميع أنحاء البلاد، لم يمنعهم الزحام الشديد ولامتاعب السفر من الحضور في جنازة مربيهم الجليل، زعيمهم الحبيب.

اللهم أنزل عليه شآبيب رحمتك، وغطه بغفرانك وعفوك وأسكنه فسيح جناتك.آمين!


اترك تعليقاً