أزمة جماعة التبليغ وفتنة مولانا سعد : أثراتهما السيئة على الأمة وواجبات العلماء

صورة واضحة حول جماعة التبليغ وما آل إليه أمرها

أمير حمزة

لا يختلف اثنان في أن جماعة التبليغ والدعوة هي جماعة إسلامية، كانت نشأتها كحركة تهدف إلى إيقاظ الوعي الديني بين الأقلية المسلمة "المضطهدة" في الهند إبّان الاستعمار البريطاني، وقد اعتمدت أساسا في أسلوبها على الترغيب والتأثير العاطفي الروحاني. كان مؤسس جماعة التبليغ والدعوة الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي (1885 – 1944) خريج دار العلوم ديوبند، وكان مسقط رأسه كاندهلة (قرية من قرى سهارنفور) بالهند، مركز الجماعة في دلهي، ومن المذكور أن الجماعة تأسست عام 1926 وكان مؤسسها الشيخ محمد إلياس أول أمير لها إلى أن استأثرته رحمةُ الله، ثم خلفه نجله الشيخ محمد يوسف ثم نجله الشيخ إنعام الحسن، ثم صار الأمر شورى بين عشرة أفراد، فانتخب منهم : ثلاثة كلجنة إدارية.

ولا مجال للإنكار أن هذه الجماعة من الجماعات العاملة للإسلام ، وسعيها في الدعوة إلى الله لا يُنكر، فهو سعي مشكور، فإنها لعبت دورا بارزا في مجال الدعوة، اهتدى بها ما لا يحصى من البشر، وقلوب عاصية، وأسماع صماء، وأعين عمياء، وهي محور الهداية والرشد لملايين من المسلمين، وهي الجماعة العامة الشاملة في وطول المعمورة وعرضها، ولكن حالها مثل كثير من الجماعات التي يقع بعضُ أفرادها في أخطاء، فعلى أعمال وأفكار بعض أتباعها ومنهجها ملاحظات منذ عقود، وأبرز الملاحظات عندي على ما يلي :

1- تقصيرهم من شأن الخدمات الدينية الأخرى.

2-تقليل اهتمامهم بالعلم الشرعي اللازم .

3-لجوءهم إلى تأويلات للآي القرآنية تؤدي إلى معان غير مراد الله تعالى، فربما يؤولون لآية الجهاد والخروج المذكور فيها بالخروج للدعوة مع أن المراد من الآية الخروج للجهاد ومقابلة العدو!

4-تعويلهم في بعض أقوالهم وأعمالهم على الأحاديث الضعيفة جدا، والمنكرة والموضوعة مع أن الأحاديث الضعيفة لا يجوز روايتها إلا مع بيان ضعفها، ولا يعمل بها إلا في فضائل الأعمال بشرائط. وأما الأحاديث الموضوعة فلا يجوز العمل بها ونسبتها إلى النبي ﷺ.

5-سكوتهم عن المنكرات ظانين أن الأمر بالمعروف يسد مسده.

6-ابتلاء بعضهم بالإعجاب بالنفس والترفع بها حتى يوقعهم في التقصير عن غيرهم، والتطاول على العلماء، والتنقيص من شأنهم، والظن بهم أنهم مستغرقون الترفه والملاذ!

7-تفضيل بعضهم الخروج للدعوة على أفضل العبادات مثل الحج!

8-اقتحام بعضهم في ساحة الفتوى والتفسير ممن لا دربة له بالعلم، فهم يجترؤون عليه.

9-ابتعادهم عن العلماء الكبار إلا العلماء الذين خرجوا للدعوة حسب ترتيبهم، فهم لا يستفتون إلا هؤلاء العلماء الذين خرجوا، ويرجحون أقوال هؤلاء على غيرهم من العلماء.

هذا، وإن الأمر لم يتوقف على هذا، فان أمير الجامعة (المزعوم) الحالي مولانا سعد قد ادعى نفسَه أمير بعد وفاة زميله من الرهط الثلاثة، وبدأ يبدي آرائه المنحرفة في خطباته، ونفذها في الجماعة، فلجأ العلماء إلى تحذيره من آرائه، وطلبوا منه أن يكون لجنة استشارية لإدارة نشطات الجماعة، وأن يمسك من الإبداء برأيه مما أداه إلى مخالفة الشرع، والتنقيص من حق الصحابة المغفورين، والإساءة إلى الأنبياء المعصومين، والخروج من أهل السنة والجماعة. وطلبوا منه بخاصة الرجوع عما قاله، والتبرئة منه، وعدم الإقدام عليه، فأفهموه خفافا وثقالا، فرادى وجماعة، سرا وعلانية، ولكن سعي العلماء لم يثمر، بل بقي كدهم سدى، وحينئذ أفتوا فيه بأنه منحرف ومشكوك، لايجوز اتباعه! لكنه تمادى في طغيانه، وتبقّى في تكابره.

ثم آل الأمر إلى تفريق هذه الجماعة المباركة، فجلّهم من أتباع العلماء، وبقي معه من بقي من الجهلاء الذين في قلوبهم مرض، أو أصبحوا فريسة الكائدين، فصاروا من أتباع سعد ومطيعيه، فهم السعدانيون والإطاعاتيون، من أجل أنهم يركزون إطاعة مولانا سعد في مكرههم ومنشطهم، وفي عسرهم ويسرهم. فلجأ العلماء إلى إيضاح إنحرافات مولانا سعد على رؤوس الأشهاد، فأقاموا اجتماعات دعوية إيضاحية، في الهند وباكستان، وبالأخص في بنغلاديش، وأكثر علماء بنغلاديش من هذه الاجتماعات الإيضاحية، وذلك نظرا إلى أن أتباع سعد في بنغلاديش كثير، ومن هنا ابتدأت المرحلة السوداء في الجماعة، فكاد الإطاعاتيون يتميزون غيظا، ونالوا من أعراض العلماء، وأبدوا بغضهم، ثم بدؤوا يبسطون أيدهم إلى العلماء في بعض القرى والمحافظة!

وأخيرا في 1 من ديسمبر/ الكانون الأول 2018م يوم السبت، كان علماء وطلاب المدارس القومية ، وأتباع العلماء من أعضاء جماعة التبليغ، كانوا مشتغلين كالسنوات الماضية، وفق ترتيب خاص في الأعمال الإعدادية للاجتماع العالمي في ميدان "تنغي"، فهجم عليهم الإطاعاتيون بالأسلحة المحلية، فمالوا عليهم ميلة واحدة، وشهد ميدان تنغي حملة عنيفة بربرية على العلماء والطلاب الحسر، فصار رجالٌ ضحية الحادث، وإصيب مآت آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، وشهدت بنغلاديش حملة همجية في مرأى ومسمع من رجال الحكومة وقوات الأمن! فإلى الله المشتكى. علما مني أن الله يحفظ دينه أعرب عن مخاوفي حول أتباع مولانا سعد من أن يكونوا جماعة ضالة لا سمح الله، وتكون فتنة عظيمة إلا أن يرحم ربي، إن ربي فعال لمايشاء.

فعلى العلماء أن يفهموا خطورة الأوضاع، ويدرسوا مشكلات العصر وأسبابها، ويخططوا للعصر الجديد، ويقدموا الحلول إلى الأمة، وينقحوا طريق الدعوة من الملاحظات القديمة، والمؤاخذات السابقة، والإنحرافات الناشئة الفاشية ضنا بالأمة من الهلاك، وحفظا على هذه الجماعة المباركة، وعليهم أن يضعوا طريقا لدعوة الناس إلى الله تعالى تحت ضوء القرآن والسنة، مستفيدين من مناهج السلف وخبراتهم. فإن من واجب العلماء أن ينفوا عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وألا يخافوا في الله لومة لائم.

اترك تعليقاً