بقلم عبد الرحمن
كانت الإنسانية عبر العصور ناجحة فاضلة لا اضمحلال فيها ولا فشل، ولا بذاءة فيها ولا سفالة، وهي الآن في دور الانتقال ليس لها وضع ثابت ولا صفة معروفة، وفي دور المخترعات الحديثة الجديدة ليس فيها مجد ولا رفعة، بل فيها الذلة والحُساسة! فكيف تعيش الإنسانية حياة سعيدة هادئة، تطمئن بها القلوب والأبصار، كما كان يعيش أجيالها السابقة؟ وقد اخترعت طرقا منقولة نقلا محرفا مشوها عن الأوربيين والغربيين أو هذا وذاك؟ فلو دُقق النظر وحُدق البصر في حياتها توجد أسباب عديدة تؤدي إلى التهلكة! ومن رأسها "الجوال" المدمر!
وسائل الاتصال في القديم والحديث :
قبل عقود من السنين كان الناس يرسلون رسائلهم وأخبارهم إلى أمكنة بعيدة وإلى بلاد نائية بالرسول والقاصد قاموا بمكتب البريد ثم بتليجراف. وعلى هذا تتابعت العهود، فقد مضى ذلك الزمن وانقضى ذلك الوقت، وقدم العهد الحديث وجِدة الزمن، وقد أعرضوا عن إرسال رسالة تحت مكتب البريد، فقدّم الزمن الجوال والكمبيوتر والإنترنت وما إلى ذلك من الوسائل الحادثة، فلاذ الناس إلى استعمالها واستخدامها جميعا.
فالجوال مخترع حديث عجيب! يتصل به الناس إلى أماكن بعيدة أو قريبة، كذلك يرسلون الرسائل بأقل وقت ما يكون! وبأسرع وقت ممكن!
غزارة استعمال الجوال :
ما كانت غزارة استعمال الجوال قبل سنوات قلائل، ثم بدأ استعمال الجوال، وقلما ناس نجدهم يستعملون الجوال، ومضت على ذلك أيام، فما هي إلا سنوات عديدة انتشر فيها استخدام الجوال، حتى كثر وفشا! وحتى الشبان والشابات، والكبير والصغير! فما زادت الأيام إلا الإكثار في مستخدميه، حتى وصل نسبة المستخدمين إلى 70%، مع أن أكثر مستعمليه لا يحتاج إليه احتياجه إلى وسائل العيش! وأن عددا كبيرا منهم صغار وأطفال أو مراهق أو شاب ليس له كسب ولا تجارة!
الانحطاط الخلقي :
لست بقادر على أن أسوق الكلام بكل مواطن نقص الانحطاط، وعن انفعالات الفتيان والفتيات بأسرها في هذه المقال المختصر، ولكنني لا أتقاعد عن إلقاء الضوء على بعض خساراته.
إن شباب اليوم وفتياته يتعبدون الشهوات فيخضعون لها كما يريدون، والجوال أقرب مساعد للوصول إلى مرامها وغايتها، لأن الشهوات تنصب السهام عليها من كل جانب، فلا يستطيعون ردها ولا هم عنها ينصرفون. وهل داء الشباب والشابات إلا الميل الجنسي الذي يملأ نفوسهم، ويسيطر على أرواحهم،فتزين لهم أنفسهم ما يريدون، ويقدم لهم كل شيء في الكون بلباس الجمال والزخرفة.
فهناك كثير من الفتيان والفتيات يُلجؤون آباءهم إلى منح الجوال ولو نقصت به ميزانية البيت وأصابتهم الخصاصة! لا يحتاجون إليه إلا للاتصال مع آبائهم في الفينة بعد الفينة، ولكن جل هؤلاء يتحدثون الأجانب حديثا لينا تستلين به قلوب قاسية عاصية! ويركن هؤلاء إلى هؤلاء، ثم يتسللون إلى طريق المحبة ثم في العشق والغرام ، ولا يشعرون ولا يدرون! فلا يتخيلون أمام عينهم إلا أولئك الفتيان الأشراف الموهومين، أو أولئك الفتيات الحسان المزعومات! ثم يرغب الطرفان إلى اللقاء، فيتفقان على موعد، وهناك يبدأ إبليس عمله! يزخرف الفتيان في نظر الفتيات أشرف من في الأرض وأسماهم، ويخيل إلى عين الشبان المجانين -جنون الشباب- أولئك الفتيات جميلات حسناء، لا يرون لهن بديلا ولا عديلا.
ثم يلقي الشيطان في أذني الطرفين رقيته الفعالة، فيقول كلا الفريقين ما المانع من الاستمتاع بالحديث والملامسة؟ هناك يفتح لهم باب الفجور والمجون، والاختلاط الجنسي الحر، والخلاعة والإباحة، ثم يؤول بهم إلى البغاء والزنا والعار الذي هو النتيجة الحتمية للمراحل السابقة!!
مواطن فوائد الجوال :
لا أضن بذكر بعض فوائد الجوال، فإن له فوائد إلى جنب مضرات لا تحصى ولا تعد، وجل الفوائد يتعلق بفكرة المستخدم، فإنه يعينه في وصل الأرحام، والرد على أعداء الإسلام عبر الإنترنت، ومطالعة كتب مطبوعة ومخطوطة، وتلاوة القرآن الكريم، وتوفير للوقت في الإخبار والاستخبار، وحفظ الملفات وما يحتاج إليه، مع غاية في السرعة. ولنقل من ينتفع به! فهو أضر للطلاب من كل مضر!! نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المنتفعين لا من الخاسرين!! وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم عبد الرحمن (من أسرة قسم اللغة في العام الدراسي 1436-37ه)