الحلقة الأخيرة من المحادثة
بقلم الأستاذ صفي الله فؤاد
عاقبةُ خروجِ النُّوَّابِ على الدُّستور
أنا الخارجِ : ماذا على قادَتنا الإسلاميِّين إن لم يمتثلوا بفَقْرَاتِ الدُّستور غيرِ المنسجِمة مع الإسلام؟
أنا الداخلِ : يُعَدُّ عدمُ امتثالِهم إياها عِصيانَ الدولة، ويُعَاقَبون عليه العقابَ الأعلى، إضافةً قبل كلِّ شيءٍ إلى بُطلان عُضْوِيّتهم البرلمانية.
أنا الخارجِ : عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّٰلِمِيْنَ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.([1]) طَيِّبْ، أليسَ من الممكن أن يُدخِلوا التغيير في الدُّستور؟
إمكانيةُ إدخالِ التغيير في الدُّستور
أنا الداخلِ : جاء في الفَقْرَة 142 (الثانيةِ والأربعين والمائة) من الدُّستور أن التمتع بحقِّ إدخالِ التغيير في الدُّستور يُشتَرط له بأن يكون عدد مُطَالِبي التغييرِ ثُلُثَيْ أعضاءِ البرلمان.
أنا الخارجِ : أنا متفائِلٌ، فلا أستبعِد أن يكون عددُ أعضاءِ البرلمان من القادة الإسلاميِّين ثُلُثَيْ أعضاء البرلمان يوما، ألا يمكن لهم عند ذلك أن يَنسَخُوا فَقْرَاتِ الدُّستورِ المعارِضةَ للإسلام؟
أنا الداخلِ : إن الفَقراتِ المتحدَّثَ عنها ههنا وَرَدَت في الدُّستور في جزء «التقديم» والقسم الأول والقسم الثاني والقسم الثالث، وتَدُلّ الفَقْرَةُ 7 (السابعة) (ب) للدُّستور على أنّ فَقرات هذه الأماكن إضافةً إلى الفقرة 150 من القسم 11 (الحادي عشر) غيرُ صالِحةٍ للزيادة والتغيير والتبديل والنسخ والإصلاح من أيِّ وجهٍ آخَر.
إمكانِيَّةُ إقامةِ حدودِ الإسلام وتعزيراتِه وطُرُقُها([2])
أنا الخارجِ : أمَعْنَى كُلِّ حديثِكَ أن إقامة الإسلام في بنغلاديشَ على المستَوَى الحكوميّ، أيْ : إقامةَ حدودِ الإسلام وتعزيراته وما إليها غيرُ ممكنة في بنغلاديشَ؟
أنا الداخلِ : لَمْ أُسْمِعكَ حديثًا لي، فإياكَ أن تَنسِب إليَّ شيئًا، وإنما أَسمَعتُكَ حديثَ الدُّستورِ الذي تُدَارُ به البلاد.
أنا الخارجِ : وعلى كلٍّ فهَلْ خلاصةُ الكلام أن إقامة الإسلام في بنغلاديشَ على المستَوَى الحكوميّ مستحِيلة؟
أنا الداخلِ : كَلَّا.
أنا الخارجِ : إِذَنْ ما السبيلُ إلى ذلك؟
أنا الداخلِ : لم يأمُرِ الإسلامُ بحكمٍ لم يُوَضِّح للأمة طُرُقَ امتثالِهم إياه. فنَرَى الرسول ﷺ يقول لأصحابه بعد أن يأمر الله إياهم بالصلاة : «صَلُّوْا كما رأيتموني أُصَلِّي»، رواه البخاريّ([3]) عن مالك بن الحُوَيرِث رضي الله عنه.
أنا الخارجِ : ماذا تُريد أن تقول؟
أنا الداخلِ : أريد أن أقول : إن السبيل إلى إقامة الإسلام في كلِّ عصر هو اتِّباعُ السيرةِ النبوية على صاحبها الصلواتُ والتسليماتُ واتّباعُ خلفائِه الراشدين وأصحابه الطاهرين رضي الله عنهم. ولا بأسَ أن تُطالِع في هذه المناسَبة البابَ التاسع من كتاب «حياةُ الصحابة» للداعية الشيخ محمد يوسف الكاندهلويِّ رحمه الله، وهو «باب خروج الصحابة من الشهوات النفسانية»، كما أَشَرتُ في يومية الثلاثاء 12 من صفرَ عند الحديث عن منكَرَات ضَرِيح شاهَ جلالَ رحمه الله في سِلْهِت.
مسؤولياتٌ زائدة لشخصياتِ الشعبِ المتبوعين
وتذكرتُ هنا كلامًا للشيخ محمد عبد المالك حفظه الله في آخِر كتابه البنغاليّ «المقالات المختارة-2» ما ترجمته العربية : «يجب على حكومةِ كلِّ دولةٍ مُسْلمة وكلِّ مُنَظَّمَةٍ للدُّوَلِ المُسْلِمة أن تتذكر درسَ الجهادِ هذا من جديد، إن كانوا حريصين على صيانةِ حُرِّيَّتهم وسِيَادتهم وراجِين تطهيرَ الدنيا من الظلم والاعتداءِ وإقامةَ العدلِ وبَسْطَ الأمنِ. ولا تنتهي مسؤولية شخصياتِ الشعبِ المتبوعين بمُجَرَّدِ تحريض الرجالات المتعلِّقين والمُنَظَّمَات المتعلِّقة على الجهاد؛ فإن لم يُستَجَبْ على نِدَاءَاتِهم ولم تُحْيَ سنةُ الجهاد من جديد، فلهم مسؤولياتٌ أُخَرُ زائدة. ما تلك المسؤولِيّاتُ الزائدة؟ سيُوْجَدُ جوابُ هذا السؤال في تراجم حياة السيد أحمد الشهيد والشاه إسماعيل الشهيد([4]) والمجاهدين المُضَحِّين بأنفسهم من هذا الصِّنْف من السَّلَف والخَلَف».([5])
«عُشَّاقُ الحُوْرِ»
«مَنْ هُمُ الذين يُحِبّون عَزْبَاوَاتِ الجنة؟»
وهناك كتاب للشيخ الدُّكتور عبد الله عَزَّام (1941-1989م) رحمه الله تعالى اسمُه «عُشَّاقُ الحُوْرِ»، والكتاب جدير بأن نطالعه في هذه المناسَبَة، وقد تُرْجِم باللغة البنغالية باسم «مَنْ هُمُ الذين يُحِبّون عَزْبَاوَاتِ الجنة؟».
أنا الخارجِ : قد أَطَلتُ عليك كثيرا وأَخَّرتُ نومك تأخيرا، وتُسَاوِرني أمور أخرى أيضًا، مثلًا بنغلاديشُ وأمثالُها من البُلْدان التي أكثرُ مُوَاطِنِيها مسلمون أَ دارُ الإسلام هي أمِ دار الحرب؟([6]) وسوف أتلقى توجيهاتِك فيها بدَوْرِها، غَيْرَ أنها في فرصةٍ أخرى إن شاء الله تعالى، فاذهَبِ الآن إلى الفراش، ونَمْ على اسم الله وذِكره. شُكْرًا لك على إفاداتك القَيِّمَة، ونِعْمَ رفيقي أنت! والسلام عليك ورحمة الله.
أنا الداخلِ : عَفْوًا، ومَرْحَبًا بك في كلِّ حين، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
قُرَّائِي الأعِزَّاءَ! -رَزَقني الله وإياكم حُسْنَ الخاتمة- قد بُحْتُ لكم في السطور السابقة بِسِرِّي وقَيَّدتُ لكم مسامرةَ «أنا الداخِل» مع «أنا الخارج» في صَرَاحة ووُضوح وبشيءٍ من البَسْط والتفصيل، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَاِنَّ اللهَ لَسَمِيْعٌ عَلِيْمٌ.
تنبيهٌ مُهِمّ : أرجو من قُرَّائي أن لا يَتّبِعوا من هذه اليوميّة وأمثالها إلا ما يروه حكمَ اللهِ تعالى وحكمَ رسوله ﷺ ومُوَافِقًا لِمَا هي أصول الشريعة وما عليه الكُتُبُ المعتبَرَة للدين. وأما إن رأوا شيئا أَضَفتُه من عندي فليَحذَرُوه ولْيَحتَرِسُوا منه، وَقَانِيَ اللهُ وإياهم سُوْءَ العاقِبةِ. وليتذكروا كذلك قول عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه : «إن الحق لا يُعرَف بالرجال، اِعْرِف الحق تعرف أهله».([7]) اللهم إني «أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّه إِلَى مُسْلِم».([8]) آمين!
مصدر مقال «حديث النفس» هذا هو كتاب الأستاذ "نظارة معلم ونظراته" جـ 1، ص 254-268
[1]. سورة يونس : 85-86
[2]. انظُرْ لِزَامًا ما في آخِر هذه اليومية تحت عنوان : «تنبيهٌ مُهِمّ» من قولنا : «وأما إن رأوا شيئا أَضَفتُه من عندي فليَحذَرُوه ولْيَحتَرِسُوا منه».
[3]. صحيح البخاريّ برقم 6008
[4]. للوقوف على حالهما راجِعْ كتابَ «إذا هَبَّتْ رِيحُ الإيمان» للداعية الشيخ أبي الحسن علي الحسنيّ الندويّ رحمه الله تعالى.
[5]. «المقالات المختارة-2» : 403-404
[6]. راجِع للتفكُّرِ في هذا الموضوع يوميةَ الأحد 14 من ذي الحِجَّة، التي عنوانها : «لِمَ لَيْسَت هذه الدُّوَلُ دُوْرَ الحربِ؟»، ويومية الثلاثاء 26 من صفر التي عنوانها : «هل يَعنِي أن يكون أكثرُ مُوَاطِنِي دولةٍ مسلمين وأن يكون الإسلام دِينَ الدولةِ أن الدولة دارُ الإسلامِ؟»
[7]. أورَده القرطبيُّ في تفسير الآية 42 من سورة البقرة، والزمخشريُّ وأبو حَيّان الأَنْدَلُسِيُّ في تفسير الآية 15 من سورة ق. وراجِعْ هنا يوميةَ الأحد 24 من صفر، ولاسِيَّمَا قولَنا فيها ابتداءً «وفي مثل هذا تتجلى».
[8]. رواه الترمذيّ برقم 3529