بعد 5 سنوات على وجوده في السلطة، تتحول الانتخابات العامة الهندية، في أكبر ديمقراطية بالعالم، غداً الخميس، إلى استفتاء على سياسات رئيس الوزراء ناريندرا مودي، حيث يدور النقاش في أنحاء البلاد حالياً بشأن ما إذا كان الزعيم القوي قد أوفى بتعهداته بإعادة إطلاق الاقتصاد الهندي الذي يعاني من الركود.
كانت الوعود التي قطعها رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي على نفسه خلال الحملة الانتخابية بتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على الفساد وإجراء إصلاحات اقتصادية رئيسية، كفيلة بأن تسفر عن تحقيق الأغلبية البرلمانية لحزب واحد لأول مرة في البلاد منذ 3 عقود.
الانتخابات العامة التي جرت في الهند عام 2014 صعدت بحزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي القومي إلى السلطة بعدما حقق فوزاً مدوياً، بقيادة مودي الذي صار رئيساً للوزراء، والذي كان بشّر بأن البلاد على موعد مع «أيام سعيدة» في المستقبل. وكان معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للبلاد وصل إلى 7 في المائة خلال شهر مارس (آذار) الماضي، وهو المعدل الأبطأ خلال فترة رئاسة مودي للحكومة.
ويقول خبير الاقتصاد ميتريش جاتاك، لوكالة الأنباء الألمانية إن هذا المعدل أقل من أن يقارن بما تحقق خلال العقد الماضي، ولا يعد مؤشراً على انتعاش اقتصادي كبير. ويعتقد خبراء الاقتصاد أن الهند بحاجة إلى العمل من أجل تحقيق معدل نمو يربو على 7 في المائة لانتشال الملايين من سكان البلاد من براثن الفقر. كما تعهد مودي بتوفير 10 ملايين فرصة عمل جديدة، ووضع حد لأزمة اقتصادية طال أمدها. وقفز معدل البطالة في الهند إلى أعلى مستوياته خلال 45 عاماً، عندما وصل إلى 5.6 في المائة في العام المالي 2017 - 2018، مقارنة بـ2.2 في المائة خلال العام المالي 2011 - 2012، بحسب بيانات أوردتها تقارير إعلامية محلية استناداً إلى «المكتب الوطني للدراسات الاستقصائية».
وترفض الحكومة الهندية هذه المزاعم وتؤكد موقفها ببيانات «صندوق ادخار الموظفين» التي تظهر زيادة كبيرة في الوظائف خلال الأشهر القليلة الماضية، وهي الأعلى خلال 17 شهراً.
كما مضت الأزمة الزراعية في الهند من سيئ إلى أسوأ، مما أجبر مودي، على نحو متأخر، على إطلاق برنامج بقيمة مليارات الدولارات لدعم المزارعين الذين يرزحون تحت نير الديون جراء مواسم الجفاف المتكررة والأضرار المتفاقمة التي أصابت المحاصيل الزراعية. أما القضية الأكثر إثارة للجدل خلال سنوات مودي على رأس الحكومة الهندية، فكانت سحب كميات ضخمة من عملات الفئات الكبيرة من التداول في إطار مكافحة الفساد. فقد أعلن مودي في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016 سحب نحو 14 تريليون روبية، من فئتي 500 و1000 روبية؛ أي ما يعادل 86 في المائة من إجمالي العملة المتداولة في الأسواق آنذاك، ولن تكون عملة رسمية. وقد أصابت هذه الخطوة الاقتصاد الهندي الذي يعتمد على السيولة النقدية بنكسة، وكان قطاع الشركات الصغيرة الأكثر تضرراً.
ورغم ذلك كله، فإن الفضل يعود إلى مودي في تنفيذ إصلاحات مالية وهيكلية جوهرية، وتمثل «ضريبة البضائع والخدمات» أهم إنجازات رئيس الوزراء الاقتصادية، حيث إنها ساهمت بشكل كبير في الحد من التهرب الضريبي، وفقا لجوتام تشكيرمان، نائب رئيس المركز البحثي «أوبزرفر ريسيرش فاونديشن». ويضيف تشكيرمان، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية، أنه رغم أن تنفيذ هذه الضريبة المعقدة، التي حولت الولايات الهندية الـ29 إلى سوق واحدة، اتسم بنوع من عدم التنظيم، فإن الاقتصاد الهندي قد بدأ يجني ثمارها. وكان الأثر الأبرز لهذه الخطوة توسيع القاعدة الضريبية غير المباشرة. ويبدو أن مودي قد حقق نجاحاً كبيراً في كبح جماح الفساد المتفشي الذي كانت حكومة حزب «المؤتمر الوطني الهندي» السابقة ابتليت به.
ودفعت أحزاب المعارضة العام الماضي باتجاه إجراء تحقيق في مخالفات مالية مزعومة تتعلق بصفقة شراء الهند 36 مقاتلة فرنسية من طراز «رافال»، بقيمة تزيد على 8 مليارات دولار. ولكن القضاء قضى برفض هذه المزاعم. كما وجهت حكومة مودي استثمارات ضخمة إلى قطاعات البنية التحتية، مما أسفر عن الإسراع بوتيرة إنجاز مشروعات الطريق السريعة والموانئ والمطارات والممرات الملاحية.
كما انهال الثناء على مودي فيما يتعلق بصعيد السياسة الخارجية للهند، حيث سرى الدفء في أوصال علاقات الهند مع الولايات المتحدة واليابان، في الوقت نفسه الذي سعت فيه نيودلهي إلى تعزيز علاقاتها مع بكين وموسكو. وأقام مودي علاقات قوية مع إسرائيل وعزز التواصل مع العالم العربي.
وتظل باكستان التحدي الأكبر الذي يواجه الهند، فقد أوشكت الجارتان النوويتان على خوض مواجهة عسكرية كلتاهما ضد الأخرى في شهر فبراير (شباط) الماضي بعدما قامت مقاتلات سلاح الجوي الهندي بقصف معسكرات مزعومة لمسلحين داخل الأراضي الباكستانية انتقاماً لمقتل 40 من العسكريين الهنود غير النظامين في هجوم انتحاري إرهابي بإقليم كشمير. وكانت هذه الغارات الجوية بمثابة نقطة تحول خطيرة على مسار السياسة الخارجية للهند.
ويقول تشكيرمان: «لم تعد الهند الفتى الطيب في حلبة السياسة الخارجية العالمية... يمكنها الآن أن تصبح عدوانية إذا ما تعرضت مصالحها للضرر. تثبت الهند الآن قوتها الضارية على صعيد السياسة الخارجية». أما على صعيد الداخل الهندي، فقد حدث خلال سنوات رئاسة مودي للحكومة أن تنامت التوترات الدينية ومظاهر التمييز على أساس طائفي، وأيضاً الهجوم ضد حرية التعبير.
كما حدث ارتفاع حاد في الهجمات التي يستهدف بها متطرفون هندوس المسلمين وأفراد الطبقات الدنيا من المجتمع والمعروفين باسم «المنبوذين» والذين يشتبه بأنهم يقومون بذبح الأبقار وتهريب لحومها. يذكر أن الأبقار مقدسة عند معظم الهندوس في الهند. وتعرض رئيس الوزراء مودي لانتقادات عنيفة بسبب عدم تبني موقف متشدد إزاء العنف الطائفي، حيث تشعر الأقليات بالإقصاء. وأصيب أشد مؤيدي مودي بخيبة أمل بسبب إخفاق البرامج التي كانت تهدف إلى مساعدة الفقراء، وأيضاً بسبب ملفي حملات النظافة الوطنية ومشروع التأمين الصحي الذي تموله الدولة.
ولم يعد «بهاراتيا جاناتا» قادراً على أن يقدم نفسه على أنه «حزب الفرص الاقتصادية» في الانتخابات المقبلة لكسب أصوات الناخبين، كما فعل قبل 5 سنوات، بل إنه يعتمد هذه المرة على القومية الهندوسية والقضايا الخلافية المثارة بين الهندوس والمسلمين بالإضافة إلى التهديدات الآتية من باكستان.
ولكن، رغم الصعوبات التي تعترض مودي، يبدو حزب «المؤتمر الوطني الهندي» المعارض وحلفاؤه غير قادرين على إثارة تحديات ضخمة على طريق رئيس الوزراء، ويظل من غير الواضح ما إذا كان النهج البديل القائم على الأمل سيجدي نفعاً. ويقول بالفيندر سينغ، أحد سكان العاصمة الهندية نيودلهي: «ثمة خيبة أمل إزاء الإخفاق في إدراك حلم الأيام السعيدة... ولكن الناس في الهند في ورطة... حيث يتعين عليهم الاختيار بين اثنتين كلتيهما نار».
- الانتخابات الهندية في أرقام
> تعد الانتخابات العامة التي تجرى في الهند كل 5 سنوات الأضخم في العالم، حيث يصل عدد سكان هذه البلاد إلى أكثر من 3.1 مليار نسمة، وعدد الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية إلى نحو 900 مليون ناخب.
> يختار الناخبون من يمثلهم في مجلس النواب الهندي أو «لوك سابها» لفترة نيابية تبلغ 5 سنوات. وتتم دعوة الحزب صاحب الأغلبية في عدد النواب الفائزين إلى ترشيح رئيس للوزراء وتشكيل الحكومة.
> يتنافس المرشحون في الانتخابات على 543 مقعداً في مجلس النواب، الذي يبلغ إجمالي عدد مقاعده 545 مقعداً. ويقوم رئيس البلاد بتعيين عضوين ليمثلا الجالية «الأنجلو - هندية». ويشغل كل مقعد في المجلس نائب يمثل إحدى الدوائر الانتخابية في الولايات الهندية. وشكل حزب «بهاراتيا جاناتا» الحكومة في أعقاب الانتخابات التي جرت في عام 1914، بعدما فاز بـ282 من إجمالي عدد المقاعد.
> بلغ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات العامة التي جرت قبل 5 سنوات نحو 4.66 في المائة من إجمالي من يملكون حق الاقتراع. وكانت نسبة المشاركة بين 60 و65 في المائة من عدد الناخبين، وهو معدل إقبال جيد في الانتخابات الهندية.
> يبلغ عدد جولات التصويت في الانتخابات العامة في الهند 7 جولات؛ تنطلق الأولى اليوم، والأخيرة في 19 مايو (أيار) المقبل. وتقول لجنة الانتخابات إن هذا النظام ضروري من أجل تحقيق كفاءة وفعالية عملية الاقتراع، في ظل نشر أطقم الإشراف على الانتخابات ورجال الأمن، على أفضل نحو ممكن.
> يبلغ عدد مراكز الاقتراع التي أعدتها لجنة الانتخابات ليدلي الناخبون فيها بأصواتهم مليون مركز. وربما ينخفض العدد قليلاً في حال سقوط ثلوج أو حدوث أي تقلبات جوية أخرى.
> يصل عدد «ماكينات التصويت الإلكترونية» التي سيتم استخدامها في عملية الاقتراع إلى نحو 33.2 مليون ماكينة. يدلي الناخب بصوته ويختار مرشحه المفضل بالضغط على زر. وفي انتخابات 2019 لن يحمل الزر رمز المرشح فقط، بل صورته أيضاً.
> يبلغ عدد أجهزة «في في بي إيه تي» التي سيتم استخدامها في الانتخابات 74.1 مليون جهاز. وتتيح هذه الأجهزة للناخبين التحقق من الإدلاء بأصواتهم على نحو صحيح واكتشاف حالات الغش والتزوير، في ماكينات التصويت الإلكتروني، من أجل تحقيق أكبر قدر من الشفافية. ولكن لن يتم تزويد جميع «ماكينات التصويت الإلكترونية» بجهاز «في في بي إيه تي».
المصدر : الشرق الأوسط