كشفت صور جوية التقطها صحيفة (الجاردين البريطانية، موقع كشف الحقائق بيلينجيكات)، تدمير الصين لأكثر من (20) موقعًا دينيًا ومسجدًا للأقلية المسلمة في مقاطعة (شينجيانغ)، كليًا وجزئيًا منذ عام 2016 وحتى بداية العام الجاري 2019.
وفي شهور الربيع من كل عام، تمتلئ صحراء تكلامكان في أقصى غرب الصين بالناس حيث يعتاد الآلاف من مسلمي الإيغور التجمع أمام ضريح الإمام عاصم، وهو عبارة عن مجموعة من المباني والأسوار المحيطة بقبر طيني صغير يُعتقد أنه يضم رفات أحد المحاربين المجاهدين من القرن الثامن.
الصين تبدأ هدم مساجد مسلمي الإيغور
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، فإن الزوار يأتون سعياً للشفاء والإنجاب ونيل المغفرة، ويقطعون الطريق مشياً على الأقدام اتباعاً لخطى أسلافهم في واحد من أكبر تجمعات الأضرحة في المنطقة. ويترك الناس القرابين وقطع القماش المربوطة بأفرع الأشجار وتذكارات صلواتهم.
وكان يُعتقد أن ثواب زيارة ضريح مقدس ثلاث مرات يماثل ثواب الذهاب لأداء فريضة الحج، وهي رحلة لا يستطيع الكثيرون في جنوب شينغيانغ الفقير تحمل تكاليفها.
لكن ضريح الإمام عاصم خلا من زواره هذا العام. إذ هُدم مسجده، أو الخانقاه، وهي مكان لممارسة الشعائر الصوفية، وهُدم عدد من المباني الأخرى، ولم يتبق سوى القبر. واختفت القرابين والأعلام. وانقطع الزوار عنه.
ووفقاً للتحقيق الذي أجرته صحيفة The Guardian البريطانية وموقع Bellingcat لصحافة المصدر المفتوح فإن هذا الضريح واحد من 24 موقعاً إسلامياً مقدساً هدمتها السلطات الصينية جزئياً أو كلياً في إقليم شينغيانغ منذ عام 2016،
وباستخدام صور الأقمار الصناعية، فحص نيك ووترز، محلل The Guardian وموقع Bellingcat، مواقع مائة مسجد وضريح حددها سكان سابقون وباحثون وأدوات رسم الخرائط بالاستعانة بمصادر خارجية متعددة.
حيث هدمت حتى الآن ما يقارب 15 مسجداً وضريحين بشكل كامل
ومن بين 91 موقعاً خضعت للتحليل، تعرض 31 مسجداً وضريحان مهمان، أحدهما ضريح الإمام عاصم، لأضرار هيكلية كبيرة بين عاميّ 2016 و2018.
ومن هذه المواقع المتضررة، هُدم 15 مسجداً والضريحان بصورة كاملة أو شبه كاملة. أما بقية المساجد المتضررة فقد هدمت بواباتها وقبابها ومآذنها.
وتبين أن تسعة مواقع أخرى أيضاً قال سكان شينغيانغ السابقون إنها مساجد، ولكنها لم تحمل علامات واضحة تشير إلى أنها مساجد مثل المآذن أو القباب، قد دُمرت أيضاً.
وتسعى الحكومة الصينية لطمس هوية المسلمين
وقالت الصحيفة البريطانية، إنه وبدعوى احتواء التطرف الديني، تشن الصين حملة مشددة لمراقبة الأقليات المسلمة مراقبة شاملة، وينتمي الكثيرون في هذه الأقليات للإيغور ويقول الباحثون إن السلطات الصينية أرسلت ما يصل إلى 1.5 مليون من الإيغور وغيرهم من المسلمين قسراً إلى معسكرات الاعتقال أو إعادة التأهيل، وهي مزاعم تنكرها بكين.
ويعتقد نشطاء وباحثون أن السلطات هدمت المئات، وربما الآلاف من المساجد في حملتها. لكن نقص سجلات هذه المواقع والصعوبات التي تضعها الشرطة في طريق الصحفيين والباحثين الذين يسافرون بشكل مستقل إلى شينغيانغ، ومراقبة السكان الشاملة جعلت من الصعب التحقق من تقارير هدمها.
وكانت المواقع التي عثرت عليها صحيفة The Guardian وموقع Bellingcat تؤكد التقارير السابقة وتشير أيضاً إلى تصعيد جديد في الحملة الأمنية الحالية: هدم الأضرحة. ففي حين أنها مغلقة منذ سنوات، لم يُذكر سابقاً هدم الأضرحة الكبرى.
ويقول الباحثون إن تدمير الأضرحة التي كانت في السابق مواقع يزورها الكثيرون، وهي عادة مهمة لمسلمي الإيغور، تمثل شكلاً جديداً من أشكال الاعتداء على ثقافتهم.
وقال ريان ثوم، عالم التاريخ الإسلامي في جامعة نوتنغهام: «صور أنقاض ضريح الإمام عاصم صادمة للغاية. ستنفطر لها قلوب أولئك الزوار الأكثر التزاماً».
قبل الحملة، كان الزوار يقطعون مسافة 70 كيلومتراً في الصحراء للوصول إلى ضريح جعفر الصادق، الذي بني تكريماً للإمام جعفر الصادق، المحارب المجاهد الذي يُعتقد أن روحه انتقلت إلى شينغيانغ للمساعدة في إدخال الإسلام إلى المنطقة. ويبدو أن المقبرة، الواقعة على حافة الصحراء، قد هُدمت في مارس/آذار عام 2018. واختفت أيضاً المباني المخصصة لإيواء الزوار في مجمع قريب، وفقاً لصور الأقمار الصناعية التي اُلتقطت هذا الشهر.
وقال توم: «لا يوجد ما يمكن أن يخبر الإيغور بوضوح أن الدولة الصينية تريد طمس ثقافتهم وتدمير ما يربطهم بالأرض أكثر من تدنيس قبور أجدادهم، وهي الأضرحة المقدسة التي تمثل معالم تاريخ الإيغور».
وقد هدمت السلطات الصينية مسجد كارغليك، من أشهر مساجد المسلمين
حيث كان مسجد كارغليك، الموجود في وسط بلدة كارغليك القديمة جنوب شينغيانغ، أكبر مسجد هناك، وكان الناس من مختلف القرى يتجمعون فيه كل أسبوع. ويذكر الزوار مآذنه العالية ومدخله المبهر والزهور والأشجار في فنائه الداخلي.
ويبدو أن المسجد، الذي تحدث عنه ناشط الإنترنت شون تشانغ في وقت سابق، قد هُدم بالكامل تقريباً في وقت ما عام 2018، بعد هدم البوابة وبعض المباني الأخرى، وفقاً لصور الأقمار الصناعية التي حللتها صحيفة The Guardian وموقع Bellingcat.
ثلاثة من السكان المحليين، وهم من الموظفين العاملين في بعض المطاعم القريبة وفندق، قالوا في روايتهم لصحيفة The Guardian إن المسجد قد هُدم في النصف الأول من العام الماضي. وقال أحد عمال المطعم: «لقد اختفى. كان أكبر مسجد في كارغليك».
ليس هذه فقط، بل يبدو أن مسجداً كبيراً آخر، وهو مسجد يوتيان أتيكا بالقرب من هوتان قد هُدم في مارس/آذار من العام الماضي. ولأنه الأكبر في المنطقة، كان السكان المحليون يتجمعون فيه في الأعياد الإسلامية. ويعود تاريخ المسجد إلى عام 1200.
وعلى الرغم من إدراجه في قائمة المواقع التاريخية والثقافية الوطنية، هُدمت بوابة المبنى ومبان أخرى أواخر عام 2018، وفقاً لصور الأقمار الصناعية التي حللها تشانغ وأكدها ووترز. وكانت المباني المهدمة على الأرجح هي المباني التي جرى تجديدها في التسعينيات.
وقال اثنان من السكان المحليين كانا يعملان بالقرب من المسجد، وهما صاحب فندق وموظف مطعم، لصحيفة The Guardian إن المسجد هُدم. وقالت إحدى السكان إنها سمعت أن المسجد سيعاد بناؤه ولكنه سيكون أصغر حجماً لتوفير مساحة لبناء متاجر جديدة.
وقال صاحب مطعم صيني من قومية الهان في مقاطعة يوتيان: «لقد اختفت العديد من المساجد. في الماضي، كان يوجد مسجد في كل قرية في مقاطعة يوتيان»، وقدّر أن نحو 80% من المساجد هُدمت.
وقال: «في السابق، كانت المساجد أماكن يجتمع فيها المسلمون لأداء الصلاة وللمناسبات الاجتماعية. ولكن كل ذلك توقف في السنوات الأخيرة. ولم يحدث ذلك في يوتيان فقط، ولكن في منطقة هوتان بأكملها، الأمر نفسه في كل مكان.. هُدمت كل المساجد».
وتحاول الحكومة احتواء الأجيال الجديدة من المسلمين بعيداً عن ثقافتهم
حيث يقول نشطاء إن تدمير هذه المواقع التاريخية وسيلة لاحتواء الجيل الجديد من الإيغور. ووفقاً لسكان سابقين، توقف معظم الإيغور في شينغيانغ بالفعل عن الذهاب إلى المساجد، والتي غالباً ما تُزوَّد بأنظمة مراقبة. وتُلزم أغلب المساجد زوارها بتسجيل بطاقات هوياتهم. وتوقفت الزيارات الجماعية للأضرحة مثل ضريح الإمام عاصم منذ سنوات.
وقال نقاد إن هدم الهياكل سيجعل من الصعب على صغار الإيغور الذين ينشأون في الصين تذكُّر أصولهم المميزة.
وقال أحد السكان السابقين في هوتان: «بالنسبة للجيل الحالي، إذا أبعدت عنهم آباءهم، ومن ناحية أخرى دمرت تراثهم الثقافي الذي يذكرهم بأصولهم.. فسيكون هذا غريباً عليهم عندما يكبرون».
وقال: «هدم المساجد هو أحد الأشياء القليلة التي يمكننا رؤيتها بأم أعيننا. فما هي الأشياء الأخرى التي تحدث في الخفاء، والتي لا نعرف عنها شيئاً؟ هذا هو الأمر المخيف».
ورغم كل ذلك ترفض الصين الاعتراف بالانتهاكات بحق المسلمين
في المقابل تنفي الصين مزاعم استهدافها للأقليات المسلمة، وتقييد ممارساتها الدينية والثقافية، أو إرسال أفرادها إلى معسكرات إعادة التأهيل. ورداً على أسئلة حول المساجد المهدمة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية غانغ شوانغ إنه «ليس على علم بالوضع المذكور».
وقال في تصريح تلقته صحيفة The Guardian عن طريق الفاكس: «تسمح الصين بحرية ممارسة الدين وتعارض بحزم الفكر الديني المتطرف.. يوجد أكثر من 20 مليون مسلم وأكثر من 35 ألف مسجد في الصين. يمكن للسواد الأعظم من المؤمنين المشاركة بحرية في الأنشطة الدينية وفقاً للقانون».
لكن بكين صريحة حول هدفها المتمثل في نسخ صورة محلية من الأديان مثل الإسلام والمسيحية لتصبح أكثر ملاءمة لتوجهات الصين الوطنية. إذ أقرت الصين، في يناير/كانون الثاني، 2019 خطة مدتها خمس سنوات «لتوجيه الإسلام ليكون متوافقاً مع الاشتراكية». وفي خطاب ألقاه في أواخر مارس/آذار، قال سكرتير الحزب الشيوعي تشين كوانغو الذي يشرف على الحملة منذ عام 2016 إن على الحكومة في شينغيانغ «تحسين ظروف الأماكن الدينية لتوجيه الدين والاشتراكية إلى طريق التكيف مع بعضهما».
ووفقاً للباحثين، يعد هدم المباني أو الأضرحة الإسلامية هي إحدى الطرق التي تمكّنهم من تنفيذ ذلك.
وقال ديفيد بروفي، مؤرخ شينغيانغ بجامعة سيدني: «تمثل العمارة الإسلامية في شينغيانغ، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعمارة الهند وآسيا الوسطى، الرابطة التي تربط المنطقة بالعالم الإسلامي ككل. وتدمير هذه العمارة يساعد على تمهيد الطريق للجهود المبذولة لتشكيل إسلام جديد «متصيّن» للإيغور».
ويصف المسؤولون أي تغييرات تطرأ على المساجد بأنها محاولة «لتحسينها». ففي شينغيانغ، تشمل السياسات المختلفة لتحديث المساجد توصيل الكهرباء وإضافة الطرق وخدمات البث وأجهزة الراديو والتلفاز و»المكتبات الثقافية» والمراحيض. وتشمل سياسة أخرى تزويد المساجد بأجهزة الكمبيوتر، ومكيفات الهواء، والخزائن.
وقال جيمس ليبولد، الأستاذ المساعد في جامعة لا تروب المعنيّ بالروابط العرقية: «هذه ذريعة تمكّنهم من هدم الأماكن التي يرون أنها تعوق طريق التقدم أو غير آمنة، ومن محو العديد من أماكن العبادة التي يرتادها الإيغور والأقليات المسلمة بشكل تدريجي ولكن مطرد».
ويقول منتقدون إن السلطات تحاول هدم حتى تاريخ الأضرحة. إذ اختفت رحيل داوت، وهي أكاديمية بارزة من الإيغور وثقّت الأضرحة في جميع أنحاء شينغيانغ، عام 2017. ويعتقد زملاؤها السابقون وأقاربها أنها اُعتقلت بسبب عملها في الحفاظ على تراث الإيغور.
قالت رحيل في مقابلة أُجريت معها عام 2012: «إذا أرادوا هدم هذه الأضرحة، فإن شعب الإيغور سيفقد اتصاله بالأرض. لن يعود لديه تاريخ شخصي وثقافي وروحي. بعد بضع سنوات، لن نملك ما يذكّرنا بسبب عيشنا هنا أو المكان الذي ننتمي إليه».