الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله و صحبه و من والاه وبعد :
بعد شهر رمضان الكريم المليء بالطاعات يحتفل المسلمون في كافة بقاع الأرض بعيد الفطر المبارك، وهو مكافأة ربّانية على طااعتهم إياه وصيامهم، ولهذا العيد عددًا من السنن التي يقوم بها المسلمون اقتداءً بنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الموضوع نشرح سنن عيد الفطر المبارك.
معنى العيد العيد كلمةٌ أصلها من عاد يعود، فهو يعود ويتكرّر في كلّ سنةٍ ويتجدّد فيه الفرح والسرور، وأمّا عيد الفطر فسبب تسميته أنّ المسلمين يفطرون فيه بعد صيامهم شهر رمضان المبارك.
تعريف السنّة السنة لغةً : تُطلق على الطريق المسلوك أو المُتّبع. السنة شرعاً: كلّ ما نُسِب إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من قولٍ، أو فعلٍ، أو صفةٍ، أو تقريرٍ، فيقوم المسلمون باتباعها حباً بنبيهم واتباعاً له.
وعيد الفطر المبارك يوم من أيام الله تعالى، شرع الإسلام الفرح فيه على تمام الطاعة، حيث يأتي عقب صيام شهر رمضان المبارك؛ فأول يوم في شهر شوال هو عيد الفطر السعيد، وفي هذا اليوم حرّم الإسلام الصيام، وشرع كثيراً من الأحكام، وندب إلى إدخال الفرح والسرور على الأبناء وأهل البيت، والمسلمون عبر تعاقب الأزمان يحيّون هذا اليوم بفرح بالغ، وابتهاج صادق، وشكرٍ لله خالص على ما حباهم الله من النّعم وما أغدق عليهم من سوابغ الكرم.
ولِيوم الفطر إيحاءاتٌ بنعم الله عز وجل أنه أول يوم بعد رمضان حيث تعود فيه إلى المؤمن حريته الشخصية في مأكله ومشربه، بعد أن كان قد سلَّمَها إلى مولاه عزَّ وجلَّ خلال رمضان طائعًا مختارا، إيذانًا بأنه لا يضحي بها إلا في سبيل ما هو أعز منها وهو رضوان الله ومغفرته، أن المسلم يشعر فيه بفرحتين عظيمتين لهما أكبر الأثر في حياته وقوته: فرحة القيام بالواجب، واجبِ الطاعة والامتثال لأمر الله، وفرحة الثقة بحسن الجزاء من الله، وهو ما يشير إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ» أخرجه البخارى ومسلم. ولهذا اليوم سنن كثيرة يحسن بالمسلمين معرفتها واتّباعها اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وحرصاً على عدم الوقوع في البدع ،والمحرّمات من الأفعال والتّصرفات التي تجري بحكم الأعراف والعادات؛
فمن سننه
١- رؤية هلال شهر شوال: (هلال عيد الفطر).
٢- ذكر الله والتكبير:
ويسن عند رؤية هلال شهر شوال أن يقوم المسلمون بالتكبير، وهي من السنن التي دعانا الرسول عليه السلام،وتكون صيغة التكبير، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، وذلك لقوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:1855]، ويبدأ من غروب شمس من آخر يوم من شهر رمضان إلى وقت خروج الإمام للصلاة.
٣- إحياء ليلة العيد:
يسن إحياء ليلة العيد بالعبادة من ذكر أو صلاة أو غير ذلك من العبادات، لا سيما صلاة التسابيح لفضلها؛ لحديث: «مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ لِلَّهِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ»أخرجه ابن ماجه والطبرانى فى الأوسط والبيهقى، والمراد بموت القلوب شغفها بحب الدنيا, وقيل الكفر، وقيل الفزع يوم القيامة، ويحصل الإحياء بمعظم الليل كالمبيت بمنى، وقيل بساعة منه، وعن ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما-: بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة, والدعاء فيهما.
٤- التبكير من النوم صباحاً في يوم العيد :
٥- الاغتسال :
ويسن الاغتسال قبل الخروج للصلاة، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنه كان يغتسل قبل أن يغدو إلى المصلى.
٦- التزين في الملبس يوم عيد الفطر :
ويسن التجمل ولبس أحسن الثياب، فعن جابر رضي الله عنه قال: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة» (أخرجه ابن خزيمة (1766)، والبيهقي(3/ 280). وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وليخرجن تفلات" أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج.
٧- التطيب للرجال :
وعن الحسن السبط قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجد وأن نضحي بأثمن ما نجد. الحديث رواه الحاكم
أما النساء فيبتعدن عن التطيب إذا خرجن؛ لأنهن منهيات عن ذلك.
٨- الأكل قبل الخروج إلى الصلاة:
ويسن أكل التمر وترا ، فقد روى البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ …. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا.
٩- أداء صدقة الفطر:
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج صدقة الفطر قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري: "وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين"،
١٠- التبكير في الخروج لصلاة العيد:
ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد، ليتمكن من الدنو من الإمام وسماع الخطبة والذكر وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة، من غير تخطي رقاب الناس، ولا أذى أحد: كان عبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبدالله بن معقل، يصليان الفجر يوم العيد وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبانة أحدهما يكبر والآخر يهلل.
١١- الذهاب من طريق إلى المصلى والعودة من طريق آخر :
ويسن أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لشعائر الله، وليشهد له الطريقان ويخفف الزحام وليلقى قوما من المسلمين ما لقيهم يسلم عليهم ويدعو لهم ويدعون له: «كان النبي إذا كان يوم العيد خالف الطريق» (أخرجه البخاري برقم: 986).
١٢-الخروج إلى المصلى مشياً :
ويسن أن يكون الذهاب إلى صلاة العيد مشياً على الأقدام، ولكن لا بأس فيمن ذهب راكباً، فعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلِّ الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا. وعن علي رضي الله عنه قال: إن من السنة أن تأتي العيد ماشيا. رواه وحسنه الترمذي
١٣- التكبير في الطريق :
ويسن ذكر الله والتكبير في الطريق ويكبر سراًحتى صلاة العيد: قال تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 1855].
١٤- اداءصلاة العيد في مصلَّى خارج البنيان ، ما لم يكن هناك عُذْرٍ كمطرٍ ونحوه:
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته أنه كان يخرج إلى المصلى ليصلي العيد ولم يرد عنه أنه صلى العيد في المسجد، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى" رواه البخاري.
١٥ - لا يصلى بعد الفجر نفلا:
ومن سنن يوم العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ركعتين لم يُصلِّ قبلهما.
١٦- أداء صلاة العيد :
وقد أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد، ومنهم من قال: هي سنة. ومنهم من قال: فرض كفاية. وبعضهم قال: فرض عين ومن تركها أثم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر قبل القراءة في الأولى سبعاً منهن تكبيرة الإحرام، وفي الثانية ستاً منهن تكبيرة الانتقال، يرفع يديه مع كل تكبيرة، كما ثبت في سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو حديث حسن
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية: {هل أتاك حديث الغاشية}، أو يقرأ سورة {ق} في الأولى، وسورة القمر في الثانية، وكلاهما صح به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
١٧- الخطبة بعد صلاة العيد:
قال جابر : ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ، ووعظ الناس وذكرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن ) متفق عليه .
وقال أبو سعيد الخدري : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول ما يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم . . . الحديث . رواه مسلم .
١٨- التهنئة بالعيد:
ويسن التهنئة التي يتبادلها الناس كقول: "عيدكم مبارك أو تقبل الله منا ومنكم صالح القول والعمل"، وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة، فعن جبير ابن نفير قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك" (حسن أسناده ابن حجر في فتح الباري 2/446).
١٩- اللعب واللهو المباح في يوم العيد:
قالت عائشة رضي الله عنها: (إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا في يوم عيد، فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي منكبيه، فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت) [متفق عليه].
٢٠- صلة الأرحام، بالزيارة والمساعدة والإحسان لهم وإدخال السرور عليهم، ليحصل بذلك تبادل المحبة والمودة، وترك التخاصم والهجران، وزيارةُ الأقارب والأصحاب، وتفقد المساكين والأصحاب، والأرامل واليتامى والفقراء.
٢١- إظهار الفرح، وإدخال السرور على أهل بيتك في هذا اليوم، بشراء بعض الهدايا والحلوى والألعاب للأطفال.
فرحة العيد: تمام النعم واستكمال الشهر ما يوجب شكر الله تعالى على نعمة الصيام والقيام.
فرحة العيد: لمن صام لأنه فرح عند فطره، وسيفرح عند لقاء ربه: {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين" (فتح الباري2 /433)
ومن سنن عيد الفطر أيضًا : "الاستماع إلى الخطبة بعد صلاة عيد الفطر".
بعد الصلاة يخطب الإمام خطبة يذكر فيها الناس ويعظهم، ومن آداب وسنن العيد الاستماع إلى خطبة صلاة العيد.