بقلم : الأستاذ نجيد سلمان
ها نحن الآن أمام أيوب علي ، أحد الباعة الحاضرين في سوق غابتالي الواقع في ناحية داكا الشرقية ، حضر ومعه بقرة سمينة ، قد بذل في رعيها وبيعها كل ما كان عنده من غال ورخيص، وقد جاء بها من المدينة البعيدة من داكا العاصمة ، بعد قطع المسافة الشاسعة ، وهو الآن ينتظر من يبيعها منه يتقرب بها إلى الله تعالى.
وفي هذا السوق رأيناه ولقيناه فتكلمنا معه فأخبرنا عنه وعن أهله وعن بقرته ، والذي يستحق الذكر في هذا المقام هو أنه لما عزم على بيعها فـأول من منعه عنه هو ابنه العزيز ، الذي كان يذهب معها كل يوم إلى المرعى القريب ، ويعود عندما يعود بها أبوه. منعه ثم كلم أمه لتمنع زوجها عن عزمه ، فما رضيت أن تتكلم ..
ولما خرج بها من بيته ليذهب بها إلى سوق العاصمة كان الذي فاجأ الجميع هو أنهم قد أجهشوا بالبكاء كأنهم فقدوا أقرب من كان عندهم ، قد رحل إلى عالم لا يعود أهله أبدا...
سمعنا ولا يزال يقرع بالنا ذلك المنظر الذي حققه أبونا إبراهيم عليه السلام في ابنه اسماعيل عليه الصلاة والسلام... امتثالا بأمر من الملك العزيز الغفار ...
وبعد انتظار طويل... رأينا من التجار الأغنياء تقدم إلى بقرته فساومها فاشتراها وبدأ يمضي بها.. فيا للمنظر العجيب الدامع للعين والمدمي للقلب... بكاء يرتجف منه أيوب علي ... لا يزال يمد يده على ظهر البقرة وبطنها وعلى رأسها وقرنها... يمسحها مسحة فيها الحب والحنان...
نعم... سادتي...!
إنها الأضحية ... إنها المذبوحة للتقرب بها إلى الله تعالى... إنها شعار الإسلام... إنها تمثيل بأسوة سيدنا وأبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام....
فمن جهر اليوم وسمى الأضحية بالقسوة والجفاء فليعلم أن الذي خلق البقرة قد أمر بذبحها... وأن الذي خلق الإنسان أمر بهذا الجفاء.. وأن الذي يربي العالم كله هو الذي أمر بإهراق الدم... وهل كان في وسع البشر أن يفهم الجفاء ويعلم القسوة بعقلٍ محدود وعلم محصور!!!؟