الترجمة : معصوم بالله غلزار
في الحقيقة ليست هنا أية حاجة إلى أعرف شخصية أبي على مسامعكم ، إذهو – رحمه الله – ليس بحاجة إلي لمعرفته، بل أنا بحاجة إليه لمعرفتي، إنه أبي الشيخ المفتي محمد شفيع، وأعتقد أنه من سعادة حظي بأني أتعرف به وأنتمي إليه، أيا من كنتُ في مؤهلاتي لا بد لي من أن أنتسب إلى والدي المحترم.
إن حصلت على خير فذاك بفضل الله ثم من فضل الوالد ومنَّته ، وإن أصبت بشر فذاك من جراء أنني ما استفدت منه كما كان واجبي، على كلٍ إن كل ما فيّ من الخصال الحميدة والخلال الطيبة إنما هو من بركة حضرته – تغمده الله برحمته –.
اگر سياه دلم ، داغ لالھزارِ توام
وگر كشاده جبينم ، گلِ بھارِ توام
( إن شقيت فذاك تقصير في بستانك
وإن سعدت فذاك زهر في ربيعك)
منذ أول وهلتي في هذه الدنيا لم شاهدت أبي إلا وهو في شغلين ، إما التدريس وإما التصنيف ، آنذاك استعفى واستقال عن وظيفة التدريس ومنصب المفتي العام في الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند ، رغم ذلك كله كان عدد غير قليلين من الطلاب يرغبون في الدراسة عليه ، فقدَّم هؤلاء المشتاقون طلبا خاصا إلى الوالد كي تتحقَّق أمانيهم المنشودة ، فلم تمض أيام إلا وقد رأيت هؤلاء الطلاب يحضرون دارنا للدراسة الخاصة عليه، ونحن نسمي ذاك التدريس في مصطلح عصرنا اليوم بالتعليم الخصوصي، ولكن شتَّانَ ما بين هذا التعليم وذاك التعليم ! وأين الثرى من الثريا !
التعليم الخصوصي في زمننا وسيلة عظمى لاكتساب المال، وبالعكس من هذا تعليمُ المدارس الدينية إنما هو يكون ابتغاءً لمرضاة الله فحسب ، وغني عن البيان ما بين الأساتذة وتلامذتهم من الحب والمودَّة بحيث يبذل الأستاذ أقصى ما في وسعه لتفهيم التلاميذ وإفهامهم حتى أن طالبا لو لم يفهم درسه في الفصل الدراسي يساعده الأستاذ فيما بعدُ بالتعليم الخصوصي والعجب العُجاب أن لا يسأله الأستاذ على هذا الجهد البليغ من أجر ، إن أجره إلا على الله ، ولم يتوقف الأمر على هذا، بل فوق ذلك يؤدي الأستاذ حقوق التلاميذ في المدارس الدينية بحيث لا يوجد له نظير في المدارس الأخرى ، ثم إنه شنيع في بيئة المدارس الدينية أن يأخذ الأستاذ المعاوضة لأجل هذا التعليم – مهما بلغ الأستاذ في العسرة منتهاها – ، أما والدي المحترم فكان يعلِّم التلاميذ مدفوعا بروح الإخلاص والتفاني ، إما في مسجد الحي أو في حدود الدار.
كان اسم مسجد قريتنا " آديني " (" آديني " كلمة فارسية بمعنى الجمعة ، وكان هذا المسجد تُقام فيه صلاةُ الجمعة ، ولذا كان المناس يسمونه بهذا الإسم ) إلا أنه اشتهر على ألسنة الناس باسم " المسجد الديني " ، وفي بداية الأمر كان يتولى شؤونَ المسجد جدي الكريمُ مولانا محمد ياسين ثم تولى إدارته والدي المحترم ، ثم هو ربما كان يدرِّس الطلابَ في هذا الجامع ، ها هو ذا عمله الأول التدريس ـ
أما عمله الثاني فكان يظهر في صورة الكتابة والتصنيف ، فلا يراه الناس إلا وهو يبذل معظم أوقاته في الكتابة حينما كان يمكث في البيت ، لا يمنعه حر لافح ولا برد قارس عن المواظبة على عمله والمداومة على شغله ، أما في الليل فكان يعلق قنارا على أحد أبواب البيت ليُضيء صحنَ البيت ، ويكتب أكثر الأوقات في ضوء ذلك الفنار، فكنا نراه يكتب بقلم الخشبة حينا ويغمسه في الدواة حينا آخر ، ولم يظهر آنذاك في عالم الرواج قلمُ الحبر ، علاوةً على ذلك كان أنشأ حجرة صغيرة للعبادة بجوار بهو الجلوس، فكنا لا نزال نسمع منها إما صوت الذكر أو لحن تلاوة القرآن ـ