إندونيسيا…واحدة من أرخص الوجهات السياحية في العالم وأغناها ثقافة وتنوعاً

هي بلد الود وروائح القرنفل والأرز

زيارة إندونيسيا ليست مجرد زيارة إلى وجهة ديناميكية نابضة بالحياة فحسب، وإنما هي اكتشاف لما يُشبه القارة، لما تكتنزه من ثقافة وفنون حياة. من هذا المنظور، فإنها تحتاج إلى وقت غير قصير لاستيعاب كل جوانبها، أقلها أنها تضم بين ربوعها أرخبيلاً يحوي أكثر من ثلاثة عشر ألف جزيرة بركانية مجاورة لبعضها، كل جزيرة عالم قائم بذاته يزخر بمجموعات بشرية مختلفة الأجناس والثقافات، تتحدث نحو 300 لغة، لكنها تتوحد في لغة البلد الرسمية. وهذا ما يجعل التنوع في إندونيسيا صاخباً فانتازياً يشبه إلى حد بعيد النظر من خلال لعبة المشكال الملون الذي تعكس مراياه الداخلية ألواناً وأشكالاً تُزغلل العين.





أكبر تجمع للمسلمين في العالم





تضم إندونيسيا بين جوانبها أكثر من 260 مليون نسمة، غالبيتهم من المسلمين الذين يشكلون 87 في المائة من السكان، فيما يمكن القول إنه أكبر تجمع للمسلمين في العالم. وهذه يعني وجود مئات الجوامع التي تجمع في عمارتها وهندستها بين فنون جنوب شرقي آسيا والمغول، مع اللمسات العربية الواضحة. أما بالنسبة لهواة الطبيعة، فسيجدون فيها ضالتهم بالتأكيد. فمشاهدة الحيوانات النادرة والغريبة وحدها تكفي لتجعل الرحلة مثيرة، لأنه لا مثيل أو وجود لها في أي مكان آخر، بدءاً من التنين كومودو (سحلية عملاقة) إلى نمور سومطرة، ووحيد قرن جاوة، والقرود الناعمة التي تأنس للإنسان بشكل مدهش، وقناديل البحر ذات الأشكال الغريبة. ولعشاق التسوق أيضاً نصيب، لأن إندونيسيا توفر بضائع ذات جودة عالية بأسعار زهيدة، كالأنسجة اليدوية التقليدية والمطبوعة بفنون الباتيك، إضافة إلى الحلي المصنوعة من الفضة بأيادٍ محترفة، والعطور التي يمزجها العطار حسب المزاج والذوق، والفخار والسيراميك بأشكاله المميزة التي تعكس ثقافة كل جزيرة. وطبعاً تبقى عُملتها الذهبية هي أهلها الذين يقابلون السائح بود، ويودعونه بابتسامات دافئة. أحد أهم نقاط الجذب في إندونيسيا أنها لا تزال واحدة من أرخص الوجهات السياحية في العالم، إذ يمكن الإقامة بواحدة من الفيلات الفخمة المزودة بحمام سباحة لقاء مبلغ معقول جداً، ويمكن أيضاً تناول الوجبات البحرية الفاخرة مقابل مبلغ قد لا يتعدى 3 دولارات.





روائح القرنفل ونسمات حقول الأرز





تقع إندونيسيا في جنوب شرقي قارة آسيا، وعاصمتها جاكارتا، ولكنها قد لا تبقى كذلك بعد بضع سنوات، حيث ستستبدل بها عاصمة جديدة أخرى تقع في جزيرة بورنيو التي يتشاركون فيها مع ماليزيا وبروناي.



وعادة ما يقوم هذا البلد بتسويق نفسه سياحياً على أنه «إندونيسيا الرائعة»، وهي تسمية غير مبالغ فيها لأن روعة هذه البقعة الجغرافية تكمن في طبيعتها الغنية. فهي تضم ثاني أكبر غابات في العالم بعد البرازيل، وحقول أرز شاسعة لا تدرك حدودها العين. وليس بعيداً عنها مزارع القرنفل التي تملأ المكان بعطر نفاذ، وتحيط بها مصانع صغيرة تديرها نسوة يشرفن على عملية تقطير زيوت هذه الزهور. ونتوقف أيضاً عند الحياة البرية، ورحلات السفاري والمغامرات البحرية، التي تشمل على سبيل المثال السباحة مع قناديل البحر الملونة، أو الغوص بين الشعب المرجانية، أو استئجار أكواخ مائية على جنبات الشواطئ الهادئة الآمنة، أو الركوب في قارب ملون يجوب البحر ليصل بك إلى الجزر الرملية. كما يمكن العبور في أنفاق تحت الماء، والسباحة في أحواض الأسماك الطليقة، وزيارة الينابيع الساخنة التي تشفي من بعض الأمراض، أو الإيغال في الزمن وتتبع الفصول التاريخية لهذا البلد من خلال الجوامع ودور العبادة والقصور والمتاحف.



أما وسائل النقل فإنها تأخذ الزائر في تجربة ممتعة يمكن أن يستخدم فيها المركبة ذات الدواليب الثلاثة، وهي وسيلة المواصلات الأكثر شيوعاً في الشوارع، علماً بأن بعضها مكيف الهواء، وهو مريح ومزين بالورود. وسيارات الأجرة هي الأخرى مُتاحة في كل مكان، إلى جانب الدراجات النارية، ولكن لا بد من التفاوض على الأجرة لعدم وجود نظام العدادات.





أماكن ينبغي أن تزورها في إندونيسيا





1. جزيرة بالي





تُعد جوهرة السياحة في هذا البلد. وربما يعرف كثيرون عن بالي أكثر مما يعرفون عن إندونيسيا نفسها، لأنهم قد يحجزون رحلتهم إلى هذه الجزيرة، ثم يعودون دون أن يخطر ببالهم أنها واحدة من آلاف الجزر المجاورة بعضها لبعض. وقد يعود السبب في هذه الشهرة إلى السينما والأغاني العالمية التي تروج لها، مما يجعلها على رأس القائمة بالنسبة للباحثين عن الترفيه والمغامرة والرومانسية، وأيضاً الخدمة المتقدمة والأجواء المرفهة. ورغم إن الأجواء الليلية صاخبة في هذه الجزيرة، وضاجة بالحفلات والموسيقى، فإن منتجعات اليوغا والاسترخاء والتأمل متوفرة أيضاً وبكثرة. كما أن أوقات الغروب الساحرة لا تُفوت بالنسبة للعشاق والعرسان الذين يفضلون قضاء شهر العسل في هذه الجزيرة. لكن على السائح أن يضع في حساباته موعد «يوم الصمت» الذي يصادف السابع من شهر مارس (آذار) من كل عام، وهو يوم الاحتفال بقدوم عام جديد في هذه الجزيرة، الذي يجب فيه احترام الطريقة التي يحتفلون بها: جميع النشاطات تتوقف، وتطفأ الأضواء، وتخلو الشوارع من المارة، وتغلق المطارات ومقرات العمل، ويبقى السياح داخل الفنادق، في حالة من الصمت والسكون تُخيم على كل مرافق الجزيرة.





2. زيارة قصر السلطان يوجياكرتا





يقع في جزيرة جاوة، وهو مجمع القصور ومقر سلطان يوجياكرتا الحاكم مع أسرته، تم بناؤه في القرن الثامن عشر، واختيرت غابة بانيان المحمية من الفيضان التي تقع بين نهرين موقعاً له، وهو واحد من المواقع التاريخية النادرة التي تحتضن كثيراً من ثقافات هذه الجزيرة التي تعرضت في عام 1812 إلى حملة عسكرية بريطانية، مما أدى إلى سقوطها في يوم واحد، مع تهديم هذا القصر وحرقه وسرقة محتوياته من الكنوز والعملات النقدية الذهبية. ثم أعيد بناؤه مرة أخرى، ليتعرض بعدها للزلزال في عام 2006، ويجري ترميمه وإصلاحه مرة أخرى. ويتميز الطريق المؤدي إليه بجماليات خاصة، حيث تبدو أشجار التمر الهندي من بعيد وهي تصطف على جانبيه وكأنها تحمي النصب التذكاري الذي يرمز إلى الوحدة والتآلف بين الملك وشعبه. وعادة ما يستضيف القصر عروضاً للموسيقى والرقص الجاوي والقراءات الشعرية وعروض الدمى التقليدية، وقد اختاره برنامج «The Amazing Race» الأميركي كواحد من المعالم السياحية التي تستحق الزيارة. وهو اليوم يضم بين جنباته متحفاً لعرض القطع الأثرية الملكية أيضاً.





3. متنزه كومودو الوطني





اختير كواحد من عجائب الدنيا الطبيعية السبع، وهو عبارة عن حديقة مترامية الأطراف تقع ضمن جزر «سوندا» الصغرى. وقد سميت على اسم التنين «كومودو»، وتأسست في عام 1980 من أجل حمايته، كونه السحلية الأكبر في العالم. وفي وقت لاحق، تم تخصيص المتنزه لحماية الأنواع الأخرى من الأحياء البرية والبحرية، وقد أعلنت الحديقة في عام 1991 كواحدة من مواقع التراث العالمي لليونيسكو، وهي تضم ثلاث جزر، وهي: كومودو وبادار ورنكا، بالإضافة إلى 26 جزيرة صغيرة، الأمر الذي يعني أن المياه المحيطة بها تضم خزيناً من التنوع الأحيائي البحري الذي يعد الأغنى على وجه الأرض. وقد ساعد المناخ، الحار الجاف في الوقت ذاته، على نمو نباتات السافانا العملاقة والغابات الضبابية والنباتات النادرة، فيما تغطي الشعاب المرجانية مناطق واسعة من المواقع البحرية توجد فيها حيوانات نادرة، مثل قرش الحوت، وسمكة شمس المحيط، وأسماك شيطان البحر، وفرس البحر القزم، والسمك الضفدعـ والسمك المهرج، والأخطبوط ذي الحلقات الزرقاء.





4. بحيرة «توبا»





تقع هذه البحيرة شمال جزيرة سومطرة، وتعد البحيرة البركانية الأكبر في جنوب شرقي آسيا. ويقال إنها تكونت إثر انفجار بركاني هائل، الأمر الذي أضفى عليها تنوعاً تضاريسياً رائعاً. ويمكن للسائح أن يؤجر مركباً للتنزه والتعرف على خبايا هذه التضاريس، وما تكتنزه من نباتات وزهور وجبال شاهقة. وعادة ما تستقبل البحيرة وفوداً من السياح من كل أنحاء العالم يريدون الاستمتاع بمراقبة صخب الشلالات، والتجول في الغابات البركانية، واستخدام المياه الجوفية التي تحتوي على مادة الكبريت الساخنة للعلاج من بعض الأمراض الجلدية. وعموماً، تبقى البحيرة مقصد الباحثين عن المكونات الجيولوجية المختلفة، والتعرف على التنوع الثقافي للسكان وهم يقدمون أغانيهم ورقصاتهم وفنونهم التقليدية. وهنالك فرصة لتجربة التجول في أرجاء البحيرة باستخدام الزوارق والمركبات التقليدية، وحتى الدراجات النارية.





لا تغادر دون تذوق هذه الأطباق





لا يمكن مغادرة إندونيسيا دون تذوق واحد أو أكثر من أطباق النودلز (الشعرية المنكهة) التي تعد الأكثر تميزاً في العالم، وتحمل اسم «إندومي»، فهي مصدر فخر للشعب الإندونيسي عموماً، إذ يتفنن في تقديمها بنكهات مختلفة لا يعرف أسرارها غيره، حيث إن 3 من أصل 10 من أفضل أنواع النودلز تصدر من هنا. ويمكن أيضاً تذوق طبق الأرز الذي يحمل اسم «ناسي جورينج»، وهو طبق من الأرز المقلي مع الخضراوات والدجاج والروبيان والبيض. ويمكن الحصول عليه في بعض المطاعم الشعبية بسعر لا يتجاوز دولاراً واحداً، ويمكن أيضاً تجربة سلطة «غادو جادو» المصنوعة من براعم الفاصوليا والملفوف والـ«تيمبيه» والتوفو والبيض المسلوق والمتبلة بصلصة الفول السوداني الحلوة والحارة في الوقت ذاته. وعموماً، فإن الأطباق يمكن أن تتنوع حسب المنطقة التي يقصدها السائح، حيث تقدم بعض الأماكن الأرز الأبيض اللزج، والتوفو أو التيمبيه (منتج صويا)، اللذين يرافقان كل وجبة تقريباً.



ومن الخيارات المُقترحة على السائح: «سوتيه الدجاج»، وهي عبارة عن أسياخ لحم الدجاج المشوية مع صلصة الفول السوداني. وعموماً، هنالك كثير من المطاعم التي تقدم الأكلات الإندونيسية التقليدية، والتي يسهل العثور عليها في الشوارع الشعبية أو القريبة من المحلات الكبيرة ومجمعات التسوق، وأغلبها يُقدم طعاماً طازجاً مع عصير طبيعي بسعر معقول جداً. ولا شك أن السائح سيخرج من هذه التجربة وهو يشعر بأن إندونيسيا مدرسة طبخ من الطراز الأول، وليس ببعيد أن يعود محملاً بالتوابل المتنوعة.

المصدر : الشرق الأوسط

اترك تعليقاً