يوم الجمعة هو أفضل الأيام عند الله تعالى، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ).
واختصّ الله -سبحانه وتعالى- يوم الجمعة بصلاة الجمعة، وجعلها من أفضل الصلوات، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
إن الله -عز وجل- قد ميّز أمة نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- بمميزاتٍ وخصائص عن غيرها من الأمم السابقة، ومن هذه الخصائص أن الله -سبحانه وتعالى- اختار لهذه الأمة العظيمة أفضل الأيام عنده وسيّدها، ألا وهو يوم الجمعة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ ) . رواه مسلم (856) .
وجعل الله -سبحانه وتعالى- المحافظة على صلاة الجمعة، سبباً لتكفير الذنوب والآثام دون الكبائر، وفي الحديث أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الصَّلواتُ الخمسُ، والجمُعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ).
تميّزت صلاة فجر يوم الجمعة مع جماعة المسلمين بالفضل عن غيرها من صلوات الفجر في باقي الأيام، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أفضَلَ الصَّلواتِ عندَ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ- صلاةُ الصُّبحِ يومَ الجمعةِ في جماعةٍ).
امتنّ الله -سبحانه وتعالى- على من مات من أهل المِلّة يوم الجمعة أو ليلتها بالوقاية من فتنة القبر، وهذا يدلّ على مكانة هذا اليوم عند الله، وعظيم الرحمة التي ينزّلها على عباده، فقد جاء في الحديث أنّ النبي -صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال: (ما مِنْ مسلِمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ، أوْ ليلَةَ الجمعةِ، إلَّا وقَاهُ اللهُ -تعالى- فتنةَ القبر).
ويعتبر يوم الجمعة بالنسبة للأيام كشهر رمضان بالنسبة للشهور، وساعة الاستجابة فيه كليلة القدر بالنسبة لرمضان، ويوم الجمعة بمثابة ميزان للأسبوع، وشهر رمضان بمثابة ميزان للعام، والحج بمثابة ميزان للعمر، ولِعظَم يوم الجمعة فإن الدوابّ تفزع فيه منتظرة قيام الساعة إلا الجن والإنس، وهو سيّد أيام الأسبوع، لأن فيه صلاة الجمعة التي هي من أهم الفروض الإسلامية، وأعظم اجتماعات المسلمين التي يُمَجَّد في خطبتها الله -سبحانه وتعالى- ويُثنى عليه، ويُشهَد له بالوحدانية، ولِعظَم هذا اليوم وشرفه فقد خصّه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأعمالٍ تميّزه عن غيره.
أعمال يوم الجمعة :
وقد وردت في يوم الجمعة أعمال، يدل على عظم موقعها في الإسلام هذا الحديث :(وعن أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولمَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الإمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا).
ومن أفضل هذه الأعمال ما يأتي:
أداء صلاة الجمعة:
فهي من أعظم ما يتقرّب به المسلم إلى الله -سبحانه وتعالى- في يوم الجمعة، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ).
ويعتبر أداء صلاة الجمعة من آكد ما افترضه الله -عز وجل- على أهل الإسلام، وهي أعظم من أيّ مجمعٍ يجتمعون فيه، إلا مجمع عرفة، وقد شدّد النبي -صلى الله عليه وسلم- على من يتخلّف عن صلاة الجمعة بغير عذرٍ متهاوناً فيها، وبيّن أنه يُعَرِّض نفسه لأن يكون من الغافلين، وسببٌ لأن يُطْبَع على قلبه، ومن طُبِعَ على قلبه فقد عُميت بصيرته، وساء مصيره، وقد اختُصّ يوم الجمعة بخصائص معينة منها ما يأتي: يشترط لصلاة الجمعة عدد مخصوص. يشترط لصلاة الجمعة الإقامة. يشترط لصلاة الجمعة الجهر بالقراءة.
يُسَّن للرجل والمرأة -على حدٍ سواء- أن يقرآن في صلاة الفجر يوم الجمعة بسورتي السجدة والإنسان، لأنهما اشتملتا على ما كان، وما سيكون في يوم الجمعة، مثل: خلق آدم، وحشر العباد، ويوم المعاد، فيحصل بقراءتهما تذكيرٌ للأمة بما سيحدث في هذا اليوم العظيم من الأحداث العظيمة حتى يستعدّوا لها.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
وامتاز يوم الجمعة بالإكثار من الصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومع أنّ الصلاة على النبي مستحبّة في جميع الأوقات، إّلا أنّها يوم الجمعة أكثر استحباباً؛ فقد جاء في الحديث: (إنّ من أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعةِ، فأكثروا علَيَّ من الصلاةِ فيه، فإنّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ).
و حيث إن للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الجمعة ويوم الجمعة ثوابٌ وأجرٌ عظيم، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثروا الصلاةَ عليّ يومَ الجمعةِ، وليلةَ الجمعةِ، فمَنْ صلّى عليّ صلاةً صلّى اللهُ عليهِ عشرا).
قراءة سورة الكهف:
يستحب قراءة سورة الكهف في ليلة الجمعة، أو يوم الجمعة، ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ).
غسل يوم الجمعة على كل بالغ من الرجال:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:[الغسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم].رواه مسلم
وإن حكم غسل الجمعة سنة مؤكدة، بل ويعتبر واجباً على من به رائحة كريهة يتأذّى منها الناس والملائكة، ويمتد وقت غسل الجمعة من طلوع فجر يوم الجمعة إلى قبيل أداء صلاة الجمعة، ويستحبّ تأخير الغسل إلى قبيل الذهاب إلى صلاة الجمعة.
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- ؛ فقال: بينما عمر يخطب الناس يوم الجمعة دخل رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فناداه عمر: أي ساعة هذه؟ فقال: إني شُغلت اليوم فلم أنقلب لأهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت. فقال عمر: والوضوء أيضاً وقد علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر بالغسل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات بمشروعية الغسل يوم الجمعة ووجوبه حال تغير رائحة الجسد.
التطيب والسواك يوم الجمعة:
عن أبي سعيد الخدري عن أبيه -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:[غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قَدِر عليه].رواه مسلم. ويُسَن أيضاً للمسلم أن يتطيّب، ويلبس أحسن الثياب عند الذهاب لصلاة الجمعة، وأن يشتغل بالنوافل.
التبكير للجمعة، والمشي إلى المسجد:
ويبدأ وقت السعي المستحبّ إلى صلاة الجمعة من طلوع شمس يوم الجمعة، أما وقت السعي الواجب إلى صلاة الجمعة فهو عند النداء الثاني إذا دخل الإمام للخطبة، ويستطيع المسلم أن يعرف الساعات الخمس التي جاءت في فضل السعي المبكر يوم الجمعة بأن يقوم بتقسيم الوقت ما بين طلوع شمس يوم الجمعة إلى مجيء الإمام إلى الخطبة إلى خمسة أقسام، وبذلك يعرف مقدار كل ساعة.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:[إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يسمعون الذكر ، ومثل المهجِّر كمثل الذي يهدي البدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي الكبش ثم كالذي يهدي دجاجة ثم كالذي يهدي البيضة].رواه مسلم
ويبدأ وقت التهجير بعد طلوع والشمس وذهاب وقت النهي.
الانصات يوم الجمعة في الخطبة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:[إذا قلت لصاحبك:انصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت].رواه مسلم.
وفي هذا الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة فما دام سمي الأمر بالمعروف حال الخطبة لغواً فغيره من الكلام من باب أولى.
الجلوس في الصف الأول، والاقتراب من الإمام:
يسنّ للمصلّي أن يستقبل الإمام بوجهه أثناء الخطبة، لأن ذلك من الأدب، وهو أحضر لقلب المصلي، وهو مما يجعله يسمع الكلام بشكلٍ أفضل ويفهمه، وكل ذلك يُشجّع خطيب الجمعة، وهكذا كان سلوك الصحابة -رضوان الله عليهم- مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
صلاة تحية المسجد:
عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يخطب فجلس ، فقال له:[يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما] ثم قال:[إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب ليركع ركعتين وليتجوّز فيهما]رواه مسلم. ومعنى يتجوّز فيهما: يخففهما.
ساعة الإجابة يوم الجمعة:
روى أبو داود عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – أنّه قال :” يوم الجمعة اثنتا عشرة -يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً ، إلا آتاه الله عزّ وجلّ ، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ”
جعل الله جل و علا في الجمعة ساعة يقبل فيها الدعاء ، و هي ساعة قليلة لا يوافقها المسلم و هو قائم يصلي إلا أعطاه الله سؤاله.
وكل ساعات يوم الجمعة ممكن أن تكون مظنّة إجابة، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن فيها ساعةً لا يردّ فيها سائل، وقد اختلف العلماء في تحديد وقت هذه الساعه من يوم الجمعة على أقوال، وأرجح هذه الأقوال قولان هما:
القول الأول: إن ساعة استجابة الدعاء تبدأ من وقت جلوس الإمام في خطبة يوم الجمعة على المنبر إلى أن ينتهي من أداء الصلاة، وقد جاء فيها حديثاً في صحيح مسلم، لكن أعلّه بعض العلماء وقالو أنه حديثٌ موقوفٌ على أبي بردة، والصحيح أنه حديث متّصلٌ مرفوعٌ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: إن ساعة استجابة الدعاء تمتدّ من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وجاء فيها أحاديث أيضاً. ويعتبر هذان القولان أرجح الأقوال، ولكن يستحبّ للمسلم والمسلمة الدعاء في جميع أوقات يوم الجمعة حرصاً على إدراك ساعة الاستجابة.
الصلاة بعد الجمعة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:[إذا صليتم بعد الجمعة فصلّوا أربعاً]رواه مسلم.
التغليظ على من ترك الجمعة:
عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره:[لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمّن الله على قلوبهم ثم ليكوننّ من الغافلين]رواه مسلم.
قوله [ودعهم]: أي تركهم، وفيه أن الجمعة فرض عين على الرجال، وقوله[ليختمن]: أي الطبع والتغطية والعياذ بالله.
بعض الآداب والسنن التي ينبغي التحلي به:
أ- لا ينبغي للمسلم أن يحجز مكاناً بعصاً أو نحوه بل عليه التبكير للصلاة والجلوس حيث ينتهي به الصف، ولا يتخطى الرقاب، ولا يفرق بين اثنين.
ب- لا يجوز حال الخطبة العبث بيده أو رجله أو غير ذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-:[من مس الحصى فقد لغا].
ج ـ- يستحب التنظّف والتزيّن يوم الجمعة وأن يُمِس المسلم الطيب بدنه وثوبه.
يستحب الإِكثار من ذكر اللّه تعالى بعد صلاة الجمعة، قال اللّه تعالى :
{فإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سوؤة الجمعة : 100] .