هو المجاهد العربي الليبي المسلم عمر بن مختار بن عمر الهلالي، وقد ولد في العشرين عام 1275 للهجرة و1858م، في منطقة الجبل الأخضر في برقة، في قرية تسمى جنزور، وهو من بيت فرحات من قبيلة منفة، وقد عاش عُمر المُختار يتيماً؛ حيث مات والده عندما كان المُختار صغيراً، وقد تولَّى رعاية عمر، وأخوه محمد صديق والدهم الشّيخ (حسين الغرياني) وأدخلهم مدرسة في الزاوية للقرآن الكريم، ثمّ أرسل عُمر إلى المعهد الجغبوبي، وكان يتمتَّع بالنبوغ مُنذ صباه؛ لذلك فقد اهتمّ به شُيوخه في المعهد، ومن بينهم العلّامة (فالح بن محمد الظاهريّ)، والسّيد (الزروالي المغربيّ).
واشتهر في العالم باسم عمر المختار، وقد لقب بالعديد من الألقاب منها أسد الصحراء وشيخ المجاهدين وشيخ الشهداء، ويعتبر عمر المختار قائد السنوسية في ليبيا، حيث قاد الجهاد ضد الغزو الإيطالي لليبيا، وقام بقيادة المئات من المعارك ضد الإيطاليين، وفي هذا المقال سنذكر نبذة عن عمر المختار.
ولادة ونشأة عمر المختار
عمر بن مختار بن عمر المنفي، ولد في القرن التاسع عشر وتحديداً في عام 1858م للميلاد في منطقة البطنان الواقعة في الجبل الأخضر التابع لمنطقة برقة، نشأ عمر المختار نشأةً طيبة، وجُبِلت نفسه على الصفات الحميدة المستمدة من هدي النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن كتاب الله عزًّ وجل، تربى عمر المختار على يد الشيخ حسين الغرياني بعدما توفي والده في رحلةٍ للحج وعندها كان عمر المختار لم يزل فتىً صغيراً، وعُرف عمر المختار منذ صغره بفطنته وذكائه مما جعله محط اهتمام الشيوخ في معهد الجغبوب الذي مكث فيه لمدّة ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المختلفة.
واشتهر عُمر المُختار بجدِّيته، وحَزْمه، وصَبْره، بالإضافة إلى استقامته، وهذا ما لَفَت أنظار زملائه، وأساتذته إليه، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الصفات جعلته يمضي قُدماً في العِلم، والمعرفة؛ فأصبح المُختار على دِراية بشؤون البيئة المُحيطة به، والأحداث القبليّة، وكذلك كان على عِلم بالأنساب، والروابط التي تربط فيما بين القبائل، وبدراسته أصبح المُختار ذا خِبرة بمسالك الصحراء، وطرقها، كما أنَّه كان على دِراية بأنواع النباتات في بُرقة، وخصائصها، وكذلك كان عارفاً بأمراض الماشية، وطريقة عِلاجها.
جهاده
في عام 1911م اندلعت الحرب بين ليبيا، وإيطاليا، وكان المُختار في واحة جالو في ذلك الوقت، وما أن سَمِع عن اندلاع الحرب إلّا وعاد مُسرِعاً نحو زاوية القُصور؛ لتجنيد من هو أهلٌ للجهاد ضِدَّ المُحتلّ الإيطاليّ، وما أن أَعلن عُمر أمر التجنيد حتى التفَّ حوله أكثر من ألف مُجاهِد، وتحرَّك عُمر وجنوده نحو مُعسكَر المُجاهدين الذين كانوا في انتظاره فرحين، وقد دارت مَعارِك مع العدوّ في الليل، والنهار، وكانت غَنائِم المُجاهدين كثيرة جدّاً.
اعتمد المُختار في جهاده على الكرّ، والفرّ، وكانت حربه ضِدَّ العدوّ حرب عصابات؛ فهم لا يمتلكون عتاداً يُماثِل عتاد العدوّ، ولم يكونوا جيشاً نظاميّاً، وقد كان المُختار يعتمد طريقة صحابة النبيّ -عليه السلام- في تقسيم الجيوش؛ حيث كانوا يُقسِّمون الجيش إلى مجموعات بناءاً على انتماءاتهم القبليّة، أمّا طريقة تعامُل المُختار مع الجُنود فقد كانت مُشابِهة للنظام العسكريّ العُثمانيّ؛ حيث كانت جُنوده مُقسَّمة إلى رُتَب، كالقائمقام، والكوماندان، واليوزباشي، وكان عُمر المُختار يُرقِّي جُنوده بناءاً على جهودهم، وبطولاتهم في أرض المَعركة، وقد جعل المُختار لجنوده مجلساً أعلى برئاسته، ولهذا المجلس مهمّة استشاريّة لحلِّ المشاكل في الحالات الطارئة.
اعتقاله واستشهاده
استمرَّ شيخ المجاهدين عُمر المُختار في قِتاله ضِدَّ العدوّ الإيطاليّ في الجبل الأخضر رغم كلّ الصعوبات التي اعترضته، ورجاله، وقد اعتاد عُمر المُختار في كلّ سنة على نَقْل إقامته من مركز إلى آخر؛ لتفقُّد أحوال المُجاهدين، وكان في أثناء ذهابه يعدُّ العدَّة تحسُّباً لأيّ أمر طارئ؛ فقد كان يذهب ومعه حِراسة كافية؛ خوفاً من مباغتة العدوّ لهم، وفي آخر مرَّة انتقل فيها المُختار أخذ معه أربعين حارِساً فقط، وهو عدد أقلّ ممّا كان يأخذه عندما ينتقل من مركز إلى آخر، وفي طريقه مرَّ وجُنوده بوادي (الجُريب)، وهو وادٍ ذو غابات كثيرة، ومسالكه صعبة، فأمر المُختار بالإقامة فيه ليلتَين، إلّا أنَّه لانتشار المُخبرين، وتربُّصهم بعُمر المُختار فقد علِموا مكانه، وأرسلو للعدوُّ؛ حيث طُوِّق المكان بشكلٍ كامل.
كان لا بُدّ من مُجابَهة العدوّ وجهاً لوجه، وهذا ما فعله المُختار؛ حيث دارت معركة حامية في الوادي، واستطاع المُجاهدون قتل عدد كبير من جيش العدوّ الإيطاليّ، وقد استُشهِد العديد من المُجاهدين، وأُصيب المُختار في يده، أمّا فرسَه فقد أُصيب بضربة قتلته، ووقع، وعَلِقت يد المُختار تحت الفرس؛ فلم يستطع إخراجها، وحاول المُجاهدون مُساعدة المُختار إلاّ أنَّ رصاص العدوّ كان لهم بالمرصاد، واستطاع العدوّ اعتقال شيخ المجاهدين عُمر المُختار، ولم يكونوا على دِراية بشخصيّته، إلّا أنَّ أحد الخَونة قد عرفه، وبشكلٍ سريع أُرسِل المُختار إلى ميناء سوسة، وهو مُحاط بعدد كبير من الجُنود، وأُخذَت كافّة التدابير؛ لحراسة كافّة الطرق التي تُؤدّي إلى سوسة، ثمّ نُقِل المُختار إلى بنغازي.
أُصدِر حُكم بإعدام شيخ المجاهدين عُمر المُختار، وأن يُنفَّذ الحُكم في بلدة سلوق في بنغازي، وذلك في يوم الأربعاء السادس عشر من سبتمبر من عام 1931م، وأُحضِر أسد الجبل الأخضر في الصباح لتنفيذ حُكم الإعدام، وكان مُكبَّل الأيدي مُبتسِماً، ومُقتنِعاً بقدر الله، وقضائه، وقيل إنَّه كان يُؤذِّن آذان الصلاة، وهو على منصَّة الإعدام، وقيل أيضاً إنَّه كان يتلو الآية الكريمة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةَ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً).