العلامة رحمة الله كوثر نظامي البنغلاديشي ١٩٤٧-٢٠١٩م

من كبراء المحدثين بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ بنغلاديش

بقلم : شهيد الله شوقي

أستاذي الجليل!

مضت على وفاتكم سبعة وأربعون يوما ولم تبرأ الجروح مع أنه يقال "الزمن بلسم الجروح ومرهم للحروق"....
رحلتم عن دنيانا ورسم رحيلكم في قلوبنا جروحا لا تلتئم ... ودعتمونا وأودع وداعكم في سويداء قلوبنا أشواكا تشوكها والدماء تنزف ، ولقد تركتمونا ونحن الآن نتجرع كأس المرارة- وأيم الله -لايطيب لنا العيش بعد فراقكم.

وكيف تحلو حياتنا بدونكم أيها الغالون ؟؟؟؟ فطعامنا اليوم مرير والنوم غير عاف وكاف والفراش شائك والأرض ضيقة والقلب مضطرب والكبد مجروح والعين مدموعة بل مدماة واليد مرتعشة ومسرح الأنظار ضبابي والأفكار مبعثرة ومفككة والسير هائم وتائه والشمس المضيئة لا تضيئ نهارنا والبدر المنير لاتناجينا ولا تنير ليلنا والنجوم الهادية لا تهدينا والورود المتفتحة لا تبتسم ولاتفتح قلوبنا، ونكهاتها الزكية لاتعجبنا والبلابل لاتسير في حدائق أزهارنا ولاترقص في أرجائنا والطيور لا تحلق في سمائنا ولا تغني على مسامعنا والصبا أو طيبة النسيم لاتبشرنا بالبشائر فلا تعجبنا الآن البحار وشواطئها وأمواجها والليالي وهمساتها والأزهار ونفحاتها والورود وبتلاتها والبلابل ونغماتها والأطواس ورقصاتها والحمامات وترانيمها والجبال وارتفاعها وقمتها والتلال وسفوحها والأنهار وسواحلها والشلالات وقطراتها حالنا مؤلم ومستقبلنا مجهول وماضينا أنتم وأنتم فقط وسيرتكم وذكرياتكم وإنجازاتكم ........ رحم الله حالنا رباااااه!!!!! لا نتصبر شيخنا! ليتكم تعودون إلينا!!!! أو ليتنا نعود إليكم وإلى الله!!

فقدناكم_وفقدنا_كل_شيئ
فقدت الجامعة أحد ربانها أو أحد أعمدتها وإن شئتم فقولوا فقدت جناحها وحرمت دارحديثها من شيخ سنن الإمام أبي داؤد رحمه الله، وفقد رئيس الجامعة وشيخ الحديث العلامة الأستاذ عبد الحليم البخاري المحترم حفظه الله العلي عضده القوي ومستشاره الوفي.

ونحن فقدناكم وفقدنا معكم الطيب الأصيل الأستاذ المثالي ،المربي العظيم المحدث الكبير ، والمؤرخ الإسلامي الشهير والمؤلف المتضلع الماهر والمترجم البارع البارز الأديب الأردي والفارسي ثم العربي الشاعر المثالي العبقري المتفرد النموذجي والمشرف على كثير من الجامعات والمدارس والمعاهد والمشير لرقي مستوى تعاليمهم كما فقدنا أمين شئون الامتحانات المركزية لهيئة اتحاد المدارس الأهلية بنغلاديش وامينا عاما منظمة معاهد تحفيظ القرآن الكريم بنغلاديش منذ طلوع فجرها الباسم (١٩٨١م) وناظما لشئون المكتبة المركزية للجامعة الإسلامية فتية شيتاغونغ بنغلاديش.

ما أجمل حياتكم العملية الممتدة إلى أربعة عقود من الزمن بل أكثر منها بسنتين ( ٤٢) (من ١٩٧٧ إلى٢٠١٩م ) والتي قضيتموها بالاعتكاف في أجمل وأفضل الجامعات الإسلامية في بلدنا الحبيب الجامعة الإسلامية فتية شيتاغونغ بنغلاديش، كأن هذه العقود من الفوائد عقود الدرر والفرائد والقلائد على أعناق الأزمنة العجائب.

لقد كنت مختارا ومامولا لرئيس الجامعة الثاني شيخ العرب والعجم الحاج محمد يونس نور الله مرقده عرفكم فعينكم فأجزلت من العطاء للجامعة ما أجزلت وكنت مشيرا أمينا وشخصية موثوقة لرئيس الجامعة الثالث فخر العرب والعجم سماحة الشيخ العلامة هارون إسلام آبادي برد الله مضجعه ولقد كنت مستشارا وقوة دافعة لرئيس الجامعة الرابع فضيلة الشيخ نورالإسلام القديم سقا الله ثراه وعضدا ساعدا لرئيس الجامعة الخامس سماحة الشيخ العلامة عبد الحليم البخاري حفظه الله تعالى.

أيها المكتبة المتنقلة المكتبة المتجولة

لم تشهد العيون أذكى الأذكياء مثلكم إلا قليلا فما قرأتم من الكتب إلا حفظتموها تلقائيا وماسرحتها أنظاركم إلا وعيتموها عفويا حتى يقال فيكم المكتبة المتنقلة والمكتبة المتجولة. ومارأيناكم إلا وأنتم تستغرقون في قراءة الكتب في الأيام والليالي وتستخرجون منها الفرائد واللآلي أو تنغمسون في الترجمة والتأليف والتصنيف أوالتبحر والتعمق العلمي في علوم الحديث والتفسير أو تنهمكون في تلاوة القرآن وتدبر الفرقان أو تتصفحون أوراق الملفات والدفاتر والدواوين وفي عيونكم نظارة ذهبية وفي يدكم اليمنى ساعة جميلة وفي رأس سبابتكم لتناول التنبول نورة. ما أروع وأجذب ذلك المنظر !!!
غفر الله لكم يا من جمعتم الفضائل و تلوتم تلو الأوائل وإن تراكمت عليكم الأحزان والأشجان أو تزاحمت عليكم الهموم والغموم أو أتعبتكم الأمراض وبددتكم الأسقام حتى النفس الأخيرة. هكذا تشهد تصانيفكم التي ناهزت الثلاثين والتي هي ذخيرة للأمة الإسلامية وثروة للمسلمين. وكيف لا ؟ وأنتم استقيتم من منهل والدكم صاحب النور والعرفان العلامة الشيخ بذل السبحان الذي حصل على شرف المبايعة والإجازة عليها من قطب الزمان وعبقرية القرن العشرين الداعية الكبير المصلح الرباني الرئيس المؤسس للجامعة الإسلامية الإسلامية فتية العلامة عزيزالحق رحمه الله الحنان وأسكنه فسيح الجنان.

وكيف لا ؟ وقد متعكم الله بأساتذة نبغاء كانوا في قمة البراعة والمهارة في زمنهم تحت ظلال الجامعة بعد أن ترعرعتم ونشأتم وتربيتم في الحضن الدافئ للمدرسة العزيزية ميرسراي وتلمذتم على المعلمين المخلصين.
ولقد فتح الله عليكم بركات من السماء فطلعتم ماطلعتم ونورتم الأمة مانورتم حتى غبتم ...... وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فحينما دفنتم في المقبرة العزيزية دفنت معكم تحت التراب تلك المكتبة المتنقلة التي في سويدائها أو ذاكرتها آلاف من الكتب.

آااااه كم كانت محزنة تلك اللحظات التي فيها تدفنون!! وكم مؤلمة تلك اللمحات التي فيها يواريكم التراب!!
قدوتنا_الحسنة و شيخنا_الكريم !

لقد تعلمنا منكم العلم والأدب وقرأنا عليكم كتاب "مشكاة المصابيح"( المجلد الثاني ) وقرأ الطلاب عليكم سنن الإمام أبي داؤد وشاهدنا فيكم الأمانة والصداقة والورع والزهد والإخلاص والتقوى وتمتعنا فيكم بوقار السلاطين وهيبة الملوك وفهمنا منكم معنى تضييف الضيوف وحب التنظيف وتنظيم الوقت والحفاظ على الأوقات وحتى الدقائق واللحظات ورأينا فيكم القناعة والاقتصاد والاستغناء والرضاء بالقضاء وإصابة الرأي والعزم والاستقامة والمصداقية والشفافية والامتثال بالقوانين والأنظمة والثبات في الأمر والصبر والشفقة والحنان والصدق والمروءة وعدم الخوف في الله لومة اللائم وكلمة حق عند الباطل والتفاني والتضحيات لأجل الآخرين ومساعدة الضعفاء والمساكين وخدمة البائسين الأشقياء والمحرومين بالإضافة إلى ذلك تعيين الخريجين في الجامعة وغيرها من القدماء والجدد في مناصب المعلمين حسب متطلبات المدارس الأهلية والمعاهد الدينية لتحفيظ القرآن الكريم والكتاب الحكيم فنحن نتذكركم ونتذكر جهودكم الجبارة ومساهماتكم الجليلة ومساعيكم الحثيثةالتي قدمتموها تجاه الدولة والمجتمع مع احترام عميق وبكل تقدير. ونترنم مع العواطف والانطباعات جزاكم الله عنا وعن الجميع أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة.

نعم_التاريخ_أنت_ونعم_إنجازاتك
لا شك في أنكم تواريخ مجيدة صنعتموها أنتم بأنفسكم ويقرؤها الجيل الحاضر والقادم من قلوبهم وحضرتكم قصة معتبرة يرويها عشاقها دهرا فدهرا آااااه نفتقدكم كبيرا ونشتاق لكم كثيرا ونعلم أنكم لن تعودوا إلينا أبدا ونأمل في الله خيرا ونعتقد به اعتقادا جازما أنه غفرلكم ونور مرقدكم ورفع شانكم وأعلى منزلتكم وأدخلكم جنة الفردوس الأعلى وألهم أهلكم وأسرتكم وذويكم وإيانا والجميع الصبروالسلوان ورحم الله أساتذتنا الذين انتقلوا إلى جوار ربهم وأطال الله حياة من يعيش على قيدالحياة منهم وعمروا حياتنا وأجادوا تربيتنا وتعليمنا وأحسنوا تأديبنا منذ نعومة أظفارنا إلى مسير حياتنا.آمين ياربنا

سيدي!
تنفستم نفسا أخيرا ومازالت تتنفس نفائسكم وتوقفت أنفاسكم ولم تتوقف خدماتكم وإنجازاتكم
ولا تزال تستمر بإذن الله....ليت "رحمة الله" عليكم نازلة وليت ربنا يسقيكم الله الكوثر وعسى أن ينظم الله لأستاذنا النظامي" بيتا في الجنة. آمين!

مجروح القلب شهيد الله شوقي، من أبناء الجامعة الإسلامية فتية شيتاغونغ بنغلاديش سنة التخرج ١٤٢٤-١٤٢٥ ه

من صفحة الكاتب في فيسبوك.

اترك تعليقاً