المسجد البابري.. ثغرات وتناقضات بقرار العليا الهندية وخيارات محدودة للمسلمين

ظفر الإسلام خان

ظفر الإسلام خان

صحفي وباحث هندي

جاء قرار اللجنة القضائية المكونة من خمسة قضاة صادما لجميع مكونات الشعب الهندي، ما عدا منظمة "آر أس أس" أمّ المنظمات الهندوسية المتطرفة التي ينتمي إليها حزب الشعب الهندي الحاكم حاليا.

وقد سبق للمحكمة العليا الهندية أن أدهشت كثيرين أكثر من مرة، مرة حين أيدت إعلان حكم الطوارئ في عهد رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي في منتصف السبعينيات، ومرة أخرى حين أكدت في قرار لها صدر سنة 1996 أن نظرية "الهندوتوا" (القومية الهندوسية) التي يستند إليها التطرف الهندوسي هي "أسلوب حياة" وبالتالي لم يعد استغلالها في الانتخابات جريمة.

وقرار المحكمة العليا، الذي صدر أمس السبت 9 نوفمبر/تشرين الثاني، قد رمى بعرض الحائط ليس فقط دعاوى وحجج الفرقاء المسلمين في قضية المسجد البابري، بل تجاهل أيضا حتى دعوى أقدم فريق هندوسي، وهو تنظيم "نيرموهي أكهارا" الذي ظل يطالب بالمكان منذ أكثر من قرن، وكان من أوائل من لجؤوا إلى المحكمة طالبا إعطاءه أرض المسجد البابري.

"الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن الأرض، التي تكرمت المحكمة بإعطائها للمسلمين، هي أصلا أرض للمسلمين، عبارة عن أوقاف إسلامية استولت عليها الحكومة الهندية في أكتوبر/تشرين الأول 1990 بحجة بناء منشآت ثقافية عليها"

وبدلا من المسلمين أو الطرف الهندوسي الأصيل، أعطت المحكمة الهندية العليا مكان المسجد البابري بكامله (نحو 11 ألف ياردة مربعة) لمنظمة "رام جَنَم بهومي نِياس" وهي المنظمة التي أنشأتها أسرة "آر أس أس"، في يناير/كانون الثاني 1993 عقب هدمها المسجد البابري في 6 ديسمبر/كانون الأول 1992.

وبكلمة أخرى، قد أعطت المحكمة العليا أرض المسجد البابري هدية لأولئك الذين هدموا المسجد العتيق.

وظلت المنظمات الإسلامية الهندية تقول منذ سنوات، إنها ستقبل بالقرار النهائي للمحكمة العليا أيا كان، بينما ظلت المنظمات الهندوسية تقول إنها لن تقبل بقرار المحكمة العليا لو جاء ضد مطالب الهندوس.

وقبل أيام من صدور قرار المحكمة العليا، وبشكل مفاجئ، بدأت المنظمات الهندوسية بقيادة "آر أس أس" تلقي المواعظ حول فضائل السلام والوئام، وحتى رئيس الوزراء ناريندار مودي انضم إلى جوقة الواعظين حول فضائل السلام والوئام، وهو الشخص الذي لم تخرج من فمه حتى الآن كلمة اعتذار واحدة منذ مذابح غوجارات سنة 2002 حين كان كبير وزراء تلك الولاية.

وتفيد التقارير الصحفية أن قرار المحكمة العليا نص على أن المسجد البابري أقيم سنة 1528م مكان معبد هندوسي، بينما يؤكد القرار ذاته أن تقرير هيئة الآثار الهندية التي قامت بالحفريات في موقع المسجد البابري، لم يثبت أي شيء بصورة قطعية.

ذكر القرار أيضا أنه ليس من اختصاص المحكمة العليا أن تقرر صحة أو بطلان أي معتقد ديني إلا أن المحكمة نفسها قالت في قرارها إن المكان (حيث قام المسجد البابري) هو ملك للإله "راما" لأنه ولد هناك حسب اعتقاد الهندوس.

وفي الوقت نفسه نص قرار المحكمة العليا أنه لا يوجد دليل يؤكد عدم صحة إيمان الهندوس بأن المكان المذكور هو مسقط رأس إلههم راما.

وقد قبلت المحكمة بدعوى منظمة "رام جنم بهومي نياس" التابعة لـ"آر أس أس"، في حين قالت في قرارها إن المسلمين فشلوا في إثبات ملكيتهم لقطعة الأرض المتنازع عليها مع أن المحكمة نفسها قد قبلت بأن مير باقي، أحد أمراء الإمبراطور بابُر، هو الذي بنى المسجد.

وفي لفتة كرم حاتمية أمرت المحكمة العليا الهندية بإعطاء مجلس الوقف السنّي خمسة إيكرات (أفدنة) من الأراضي في بلدة أجودهيا لبناء مسجد عليها.

ولكن الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن الأرض، التي تكرمت المحكمة بإعطائها للمسلمين، هي أصلا أرض للمسلمين، عبارة عن أوقاف إسلامية استولت عليها الحكومة الهندية في أكتوبر/تشرين الأول 1990 بحجة بناء منشآت ثقافية عليها.

وبما أن مجلس الوقف السنّي هو هيئة حكومية فقد يقبل بهذا العرض السخي إلا أن مسلمي الهند لن يقبلوا به بديلا عن المسجد البابري.

وكانت الحكومة الهندية عشية إعلان قرار المحكمة العليا قد وضعت أجزاء كبيرة من شمال الهند تحت الأحكام العرفية وحولت مدينة أيوديا، التي توجد بها أرض المسجد البابري، إلى منطقة عسكرية وأعطت "البطاقات الحمراء" لستة آلاف شخص في ولاية أوتار براديش تحذيرا لهم من إثارة أية مشاكل عقب إعلان قرار المحكمة.

كما اعتقلت نحو ستين شخصا لا تعرف هوياتهم إلا أنه من المعتقد أن غالبيتهم العظمى من المسلمين. وقامت الحكومة أيضا بإغلاق المدارس والكليات، كما أمرت بإعداد بعضها مراكز اعتقال ليسجن بها أي مسلم يقوم بأعمال شغب بعد إعلان قرار المحكمة العليا.

وقبل ذلك، كانت هناك إشارات إلى أن طبخة ما بشأن قضية المسجد البابري يجري الإعداد لها، أو أنها أبرمت بليل، فقد قال يوجي إديتيا نات، كبير وزراء ولاية أوتار براديش التي يقع بها المسجد البابري، في 5 أكتوبر/تشرين أول الماضي إن "أخبارا سارة تنتظر الجميع".

وفي اليوم التالي قال نائب الحزب الحاكم ساكشي مهاراج إن بناء معبد راما سيبدأ يوم 6 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وقبل يومين من إعلان قرار المحكمة العليا طلبت وزارة الداخلية الهندية من حكومات الولايات اتخاذ إجراءات أمنية لمواجهة أي طارئ عقب إعلان قرار المحكمة العليا.

"ويرى مسلمو الهند أنه حتى لو أعطتهم المحكمة قطعة أرض المسجد البابري، فلن يكون بإمكانهم بناء مسجد عليها بسبب الأجواء الحالية المشحونة بالحقد والضغينة، وحتى لو بني المسجد فلن يكون بإمكان المسلمين الصلاة فيه في ظل الأجواء الحالية"

من الواضح أنه ليس هناك من خيار لمسلمي الهند في الأوضاع الحالية سوى الاحتساب والصبر إزاء هذا الظلم الفادح.

وقد سلبت الحكومة الهندية حتى حقوقهم الديمقراطية في الاحتجاج السلمي محذّرة بأنه حتى المواد المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ستتم معاقبة أصحابها بالسجن، بل سيطبق عليهم قانون الأمن القومي الذي يقضي بالسجن دون محاكمة لمدة سنتين.

ولعل السلوك الأمثل للمسلمين في الأوضاع الحالية هو الدعاء والتوجه إلى الله لكي يلهم الحكمة للكل.

وقال مجلس الأحوال الشخصية الإسلامية -وهو تنظيم إسلامي أهلي- إنه سيستأنف ضد قرار المحكمة طالبا عرضه أمام لجنة تضم عددا أكبر من القضاة.

ومع ذلك، لا نظن أنه في ظل أجواء الحقد المشحونة حاليا سينال المسلمون الإنصاف.

ورغم أنه يمكن القول في نهاية الأمر إنه قد جرى معالجة مشكلة عويصة قديمة بشكل لا يرضي المسلمين، فإنه مع ذلك تم دفن هذه المشكلة العويصة بشكل ما، ونعتقد أن ذلك سيكون خيرا للوطن ولمسلمي الهند الذين أنهكتهم هذه المشكلة منذ أربعة عقود.

ويرى مسلمو الهند أنه حتى لو أعطتهم المحكمة قطعة أرض المسجد البابري، فلن يكون بإمكانهم بناء مسجد عليها بسبب الأجواء الحالية المشحونة بالحقد والضغينة، وحتى لو بني المسجد فلن يكون بإمكان المسلمين الصلاة فيه، في ظل الأجواء الحالية.

وكان حريا بالمحكمة العليا أن تقرر إنشاء متحف للوئام الطائفي أو حديقة للأطفال بتلك البقعة المتنازع عليها بدلا من إعطائها لأحد الفرقاء.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً