لن تكون هناك معركة في طرابلس، إذ إن أنقرة وموسكو باتتا مستعدتين لتطبيق نموذج السلام السوري نفسه في ليبيا، وإن هناك تنسيقا بينهما قد يصل إلى حد التفاهم بشأن قضايا أخرى تتجاوز ليبيا.
هذا ما نقله موقع إيل سوسو ديريوا الإيطالي عن مدير مركز تشيناس للدراسات الإستراتيجية الباحث باولو كويرشيا الذي قال إن الساحة الليبية تشهد لعبة تركية روسية، كما أن هناك اتفاقا بدأ يتشكل في البحر الأسود بين الطرفين، حيث إنهما مستعدان لتكرار تجربة السلام السورية في ليبيا.
خطوات استباقية
وفي الواقع -يقول كويرشيا- يعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بمثابة محاولة من أنقرة لاتخاذ خطوات استباقية قبل التطورات المهمة التي ستشهدها الساحة السياسية الليبية، والتي من غير المتوقع أن يبقى خلالها رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج هو الماسك بزمام الأمور.
لذلك، فضل السراج توقيع الاتفاق في الوقت الراهن مقابل الحصول على الدعم الذي يحتاجه.
وأضاف كويرشيا أنه على الرغم من أن حفتر المتحالف مع مصر يحظى بدعم روسيا فإن العلاقة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان لن تكون بالضرورة علاقة تصادم في ليبيا، خاصة أن الزعيمين يسعيان لإيجاد اتفاقات تخدم مصالحهما، خاصة في ظل الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها الأميركيون والأوروبيون خلال السنوات الأخيرة في حرب العراق وفي التعامل مع الربيع العربي، إلى جانب غياب السياسة الخارجية الأوروبية وتراجع الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط.
قوات حكومة الوفاق الوطني جنوب طرابلس تتصدى لمسلحي حفتر (الجزيرة) |
القرم وسوريا وليبيا
وعلى الرغم من أن هذه اللعبة الدائرة بين أنقرة وموسكو تبدو معقدة -كما يعلق الباحث- فإنها في الحقيقة بسيطة للغاية، سواء تعلق الأمر بسوريا أو ليبيا أو البلقان، إذ إن كل بلد منهما يدعم أحد الفرقاء، وهما يسعيان لتجميد هذا الصراع حتى يلعب كل منهما دور الحامي وصانع السلام، ويبقى كل طرف محلي تابعا لأنقرة أو موسكو.
وعموما -يضيف كويرشيا- ساد المنطق نفسه خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، حيث إن الأمر كان يبدو وكأنهما يتصارعان في كل أنحاء العالم، ولكنهما في الواقع يتقاسمانه.
تنافس وتعاون
وأضاف الكاتب أن مسرح هذه الحرب الباردة الجديدة هو شرق البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا المثلث المكون من شبه جزيرة القرم وسوريا وليبيا.
ولا يشهد هذا المثلث حالة حرب باردة بين أنقرة وموسكو، بل حالة تنافس وتعاون وتقسيم، وهي سياسة تفتح الباب أمام خروج الطرفين منتصرين من هذه المعارك في ظل إقصاء تام للغرب.
وقال الباحث إن الساحة السورية شهدت في البداية علاقة عداء بين موسكو وأنقرة، إلا أنهما تسيران في الوقت الراهن دوريات مشتركة، وتتعاونان بشكل وثيق حتى يبقى كل طرف على أعداء الآخر تحت السيطرة، لخفض المسؤوليات والنفقات العسكرية ومنسوب التوتر.
وأضاف أن السياسة نفسها بصدد التشكل في ليبيا، حيث إن روسيا وتركيا تستفيدان من غياب الدور الأوروبي، وتسعيان لإعادة تشكيل البحر الأبيض المتوسط.
في المقابل، يمكن أن تتدخل الولايات المتحدة لتلعب دورا في هذه المنطقة، وفي الحقيقة لن يؤدي التصعيد العسكري -الذي شهدته ليبيا في الأيام الماضية- إلى اندلاع معركة في طرابلس، بل سيدفع نحو اتفاق سياسي روسي تركي بدأت ملامحه تتشكل وسيتبلور مع نهاية العام 2020، ليفتح الباب أمام حدوث سيناريو جديد.
المصدر : الصحافة الإيطالية+الجزيرة