قالت مجلة دير شبيغل الألمانية إن نساء مثل تسنيا بغوم يعملن في مصانع النسيج والخياطة الموجهة للغرب في بنغلاديش، لا يرين أطفالهن إلا خلال عطلات قد لا تزيد على 11 يوما في السنة.
وفي مقال مشترك بين فون فونيا فبير شتاينهاوس وكازي ألفي، سلطت الصحيفة الضوء على عمال النسيج في هذا البلد الآسيوي البالغ عدد سكانه 161 مليون نسمة، منطلقة من حكاية العاملة تسنيا بغوم التي لا تزيد عطلتها السنوية على 11 يوما، تحرص على قضائها مع ابنتها بالكامل، مما يضطرها إلى السفر ليلا رغم عدم الأمان وإنفاق ستة يوروهات، أي راتب يومي عمل، على التذكرة.
أم لبعض أيام
تعمل بغوم (25 سنة) لصالح شركة تستخدم لتزويد إتش آند أم بالملابس، وترسل الآن بضاعتها إلى ولمارت، وتداوم في مصنع للنسيج بلا اسم في منطقة صناعية في شيتاغونغ، وهي مدينة أسمنتية رمادية اللون، يقطنها مليونا شخص على خليج البنغال، وهي ثاني أكبر موقع لإنتاج المنسوجات في جنوب بنغلاديش.
في آخر يوم قبل عيد الفطر، تغلق جميع مصانع النسيج المسجلة في بنغلاديش والتي يبلغ عددها أكثر من 4600، وتمثل 20% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، مما يمكن 4.5 ملايين عامل من الاستمتاع بإجازة لأيام.
حجزت بيغوم تذكرة الحافلة قبل أسابيع، رغم أنها ترى أن عدم السفر أسهل لها، غير أنها ليست ذاهبة فقط لقضاء العطلة والاحتفال بأحد أهم الأعياد في الإسلام، بل ستعود للمنزل كأم ولو لمدة أسبوعين في السنة.
وقالت المجلة إن ثلث عمال النسيج يعيشون في أماكن منفصلة عن أطفالهم، وفقا لمسح أجرته مؤخرا منظمة أوكسفام أستراليا غير الحكومية، تقول بغوم "ليس لدي أي خيار، لا توجد لي وظائف في الريف".
وأشار تقرير المجلة إلى أن بنغلاديش تعتبر قصة نجاح اقتصادي بين الدول النامية، حيث زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سبعة أضعاف في العقود الأربعة الماضية، من 227 دولارا إلى ما يقارب ألفي دولار، وقد ساهمت صناعة النسيج على وجه الخصوص في هذا الانتعاش الاقتصادي.
صنع في بنغلاديش
وفي رحلتها نحو الشمال في الحافلة، تمر أمام عيني بغوم مصانع النسيج بأسمائها الغربية، حيث تصدر بلادها حوالي نصف الملابس التي تصنعها إلى أوروبا، حيث عرف العديد من الأوروبيين "صنع في بنغلاديش" كعلامة صغيرة على ملابسهم.
غير أن انهيار مبنى مصنع رنا بلازا في العاصمة داكا، كان أكبر حادث في تاريخ صناعة النسيج في البلاد، حيث مات أكثر من 1100 شخص تحت الأنقاض وأصيب أكثر من 2500 شخص، مما جعل علامة "صنع في بنغلاديش" فجأة تصبح مرادفة لظروف العمل القاتلة، كما يقول تقرير المجلة.
ويقول العديد من الأكاديميين والنقابيين إن اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام قد حسن بالفعل ظروف السلامة في مصانع بنغلاديش، حيث وقعت أكثر من 220 شركة نسيج، بما فيها إتش آند أم وبريمارك اتفاقية أمان مع النقابات في البلاد، مما جعل ما يقرب من ثلث مصانع البلاد لديها الآن أجهزة الإنذار بالحريق وأدوات الإطفاء.
ويقول أحد مديري شركة الغزل والنسيج التي تعمل فيها بغوم إن "أي شخص لا يلتزم بهذه الشروط لا يحصل على عقود جديدة"، ولذلك تم تغيير اسم الشركة ونقلت بغوم إلى مصنع صغير، يهمس المدير قائلا "لم يتغير شيء" وهو ما تقوله بغوم أيضا.
بعض الحرية
ورغم أن بغوم تعمل ستة أيام في الأسبوع بمعدل تسع ساعات في اليوم، وتكسب حوالي 88 يورو شهريا، ترسل ربعها إلى والديها كل شهر عبر الهاتف، فإنها تقول إن ذلك أفضل من خدمتها في المنازل، خاصة أنها ليست متعلمة.
تقول بغوم "عندما أعود إلى المنزل من المصنع وأنهي عملي فأنا حرة"، لتعلق الكاتبتان لأن هذه الحرية عبارة عن غرفة صغيرة ومرحاض مشترك، وراتب صغير كلما زاد ارتفعت الأسعار.
تقول هذه العاملة "أردت أن أعيش في منزل، وأن يكون لدي ابنة وابن وأن أعتني بزوجي"، وبالفعل تزوجت وهي في الـ18 من عمرها، وكان زوجها يعمل في المصنع نفسه، ولكنه سرعان ما توقف عن العودة إلى المنزل ليلا ثم تركها وهي حامل.
في القرية
بعد سبع ساعات على متن الحافلة، تنزل بغوم وبيدها سلة مليئة بلحم البقر وتمشي بين بيوت القرية الواقعة وسط سهل أخضر، قبل أن تخرج إليها طفلة تلبس ثوبا أحمر وتعانقها قبل أن تفلت منها وتنظر إليها دون أن تقول شيئا، إنها ابنتها التي ولدت قبل سبع سنوات وغادرتها بعد أربعة أسابيع من ولادتها ليعتني بها والدا بغوم.
تصف الكاتبتان لقاء العائلة ومكانة ابنتهم التي يحترمونها كثيرا لأنها الوحيدة التي يعتبرونها رب الأسرة وتختلف عن نمط حياتهم، وتعتبر عودتها عيدا بالنسبة لابنتها التي تحصل على أحذية جديدة وبعض الشكولاتة.
ورغم اهتمام والديها بابنتها، تقول بغوم إنها تشعر بتأنيب الضمير، لأنها تترك لوالديها رعاية ساديا، خاصة أن لديها مخاوف من أن ابنتها قد لا تحصل على التربية بالطريقة التي تفضلها.
ولكن بالنسبة لها فإن العمل الذي تمارسه ليس عملا حرا، كما أنه ليس استثمارا في مستقبل ابنتها، بل إنها تخيط لسداد ديون والديها، عندما تحملا ديونا لعلاجها في المستشفى عندما مرضت قبل سنين.
وأشارت المجلة إلى أن بعض الآباء لا يكلفون أنفسهم عناء العودة إلى المنزل الريفي مطلقا، بل يقيمون في أماكن عملهم في بنغلاديش أو خارجها.
المصدر : الصحافة الألمانية+الجزيرة