في حي تشاندي تشوك، أحد أهم أحياء مدينة دلهي عاصمة الهند، يتجمع مئات الفقراء لا يجدون مأوى ولا ملجأ غير أرصفة هذا الحي الشديد الاكتظاظ، في وقت تواصل فيه السلطات زجر مخالفي الحظر الصحي الشامل الذي تطبقه لاحتواء تفشي مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
على الأرصفة بجوار المحلات وفي الأزقة الصغيرة بالحي، ينتظر المئات الحصول على وجبة طعام يتم توزيعها من قبل مؤسسات خيرية غير حكومية.
ويقع حي تشاندي تشوك في قلب العاصمة دلهي، وتحديدا في مدينة دلهي القديمة. ويمتاز بمعالم أثرية كثيرة منها القلعة الحمراء وجامع مسجد، ويعتبر مركزا يضم العديد من الأسواق الشعبية الكثيرة المنتشرة في الشوارع الكبيرة والصغيرة وكذلك الأزقة منه.
ويعتبر هذا الحي ملجأ لكثير من الفقراء والمتسولين الذين يجدون في أزقته وشوارعه الصغيرة ملاذا، بما أن العديد من المؤسسات الخيرية والمحسنين يخصصونه لخدماتهم الخيرية.
وقد شمل الحي ما شملته العاصمة دلهي من حظر للتجوال، وهو ما أدى إلى توقف الحركة التجارية فيه بصوة كلية ومفاجئة، وأدى إلى حرمان فقراء الحي من مصدر قوتهم الوحيد الذي يأتي في الأغلب من التبرعات.
منحى تصاعدي
وبدأ منحنى انتشار كورونا يتصاعد بشدة في الهند، فقد تم أمس تأكيد إصابة 570 حالة. ومع إجراءات حظر التجوال، ظهرت تداعيات كبيرة منها حمى الشراء وتخزين المؤن وتعطيل حركة المسافرين والاعتقالات والضرب لمن يخالف الحظر، إضافة لطوفان نزوح بين الولايات، تزامن مع نقص في توفير الاحتياجات الأساسية للبسطاء والفقراء والعمالة اليومية.
ازدحام في الهند (مواقع التواصل) |
وقد تم الإغلاق الكامل لمطارات الهند الداخلية ومحطات القطارات، أيضا سواء الداخلية والخارجية بين المدن والولايات، وتم تقليص عدد ساعات محطة الحافلات المركزية لساعات معينة فقط خلال النهار.
ويواجه العمال صعوبة في التنقل، فضلا عن توقف أعمالهم مما يجعلهم بين مطرقة البحث عن عمل وسندان انتشار كورونا الذي قد يودي بحياة مئات الآلاف في فترات قصيرة، إذا لم يتم اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، بحسب تحذير منظمات صحية محلية وعالمية.
ووضع من يخالف حظر التجوال والتنقل بين خيارين: إما البحث عن أي مأوى وهو صعب جدا للعمالة اليومية بل يكاد يكون مستحيلا للفقراء والمتسولين، أو خيار ثان وهو الاعتقال مباشرة خاصة من لا يحمل أي هوية شخصية.
نداءات إغاثة
وانطلقت نداءات المنظمات غير الحكومية المعنية بتوزيع المواد الغذائية للفقراء، للعمل على مواجهة الأزمة وإعداد وتوزيع المواد الغذائية، بعد أن أصبح كل شيء مغلقا في دلهي منذ بدء سريان الحظر.
وردت إدارة الملاجئ المعنية برعاية الفقراء بأنها غير قادرة على تحمل المزيد من الأعباء الإضافية، وأنها تعاني من نقص شديد في الإمدادات وعدم وجود أي مساعدة نقدية أو حتى عينية من الحكومة.
ويقول أحد العمال في مومباي إن "البقاء في المنزل يعني أن أترك زوجتي وأطفالي يموتون جوعا، لا يوجد معي غير هويتي، ولا أملك هوية لأطفالي وزوجتي، ماذا أصنع؟".
سيناريو تاريخي
يذكر أنه قبل قرن تقريبا -وتحديدا في عام 1918- تفشت في جميع أنحاء العالم الإنفلونزا الإسبانية، وقتلت عشرات الملايين، وسجلت الهند وحدها نحو عشرين مليون وفاة.
وانتشر وباء الإنفلونزا الإسبانية عن طريق سفينة محملة بالجنود العائدين من الحرب العالمية الأولى، رست في ميناء مومباي، وتسلل الفيروس إلى عائلات الجنود، من ثم إلى القرى والمدن الرئيسية.
عشرات العمال والفقراء ينتظرون دورهم لتسلم مواد غذائية (مواقع التواصل) |
وكانت البداية في مدن مومباي ومدراس وكلكوتا، ثم انتشر بصورة كبيرة شمالا وجنوبا. وكان السبب الرئيسي للتفشي أن مومباي من المدن المكتظة بالسكان إضافة إلى أن محطة وخطوط السكك الحديدية لعبت الدور البارز في الانتشار.
وكانت أعراض الإنفلونزا الإسبانية مقاربة جدا لفيروس كورونا التي تبدأ بضيق في التنفس تعقبه حمى شديدة.
عزل إلزامي
ومنذ مرور أسبوع عن إعلان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن 1.3 مليار نسمة سيخضعون للعزل الإلزامي المنزلي، شددت السلطات حظر التجوال في شتى أنحاء شبه القارة الهندية، كما أعلنت الحكومة عن خطة اقتصادية تحفيزية بقيمة 22.6 مليار دولار، لتوفير التحويلات النقدية المباشرة ودعم ومساعدة الأسر الفقيرة غذائيا.
وتعرض تقارير صحفية واقتصادية أن حظر التجوال الصارم على الهند كاملةً سيطلق العنان لأزمة جوع جماعية بين عمال المياومة في دلهي ومومباي والمدن الكبرى، الذين أصبحوا عاطلين عن العمل الآن ويفتقرون إلى المال لشراء طعامهم.
كما أُغلقت المؤسسات الدينية والخيرية وفقدت إمكانية الوصول إلى الفقراء الذين هم تحت رعايتها بشكل مباشر. وكانت هذه المؤسسات تقدم معونات وإغاثة بشكل منتظم، فضلا عن توفير الطعام بشكل يومي للفقراء والعمال والمهاجرين.
وفي السياق، قال عضو البرلمان المركزي وعضو المؤتمر الوطني الهندي راهول غاندي إن "الملايين من إخواننا وأخواتنا العمال في جميع أرجاء الهند يكافحون للعودة إلى أوطانهم، إنه لأمر مخز جدا أن تتم معاملة مواطن هندي بهذه الطريقة".
وأضاف أن "الحكومة ليس لديها أي خطط طوارئ لمثل عمليات النزوح تلك، يجب عليها أن تتخذ خطوات ملموسة في أقرب وقت ممكن حتى لا تصبح مأساة كبرى".
من جهته قال عضو البرلمان المركزي من حيدر آباد في ولاية تلنجانا، أسد الدين أويسي "هؤلاء العمال يعملون بعيدا عن منازلهم، يرسلون قوتهم لعائلاتهم، لكن رئيس الوزراء تخلى عنهم".
المصدر : الجزيرة