بقلم : محمد هارون العزيزي الندوي
حكي أن ثلاثة من السارقين ذهبوا مرة ليسرقوا قصب السكر من حديقة أحد الأشخاص، فسرقوا كثيرا من قصب السكر، ولما أرادوا الرحيل تفطن صاحب الحديقة لوجود أشخاص في حديقته، فخرج إليهم مسرعا، فوجدهم وهم يتأهبون للرحيل، أخذهم جميعا، وقال لهم في ثورة غضب وطيش انتقام : "أيها الأسافل الأنذال الحقار! جئتم تسرقون حديقتي؟ سوف تدفعون الثمن، وأذيقكم لذة السرقة، لن أترككم أبدأ، وستنالون جزاء أعمالكم".
ولما رأى السارقون الثلاثة عزم صاحب الحديقة على معاقبتهم، اجتمعوا وأجمعوا كلمتهم واعتصموا بشيئ واحد، فقالوا في كلمة واحدة : " لوتركتنا وإلا سنضربك ضربا لا قبل لك به ". هناك وقف صاحب الحديقة وفكر جيدا وتريث برهة، وأعاد النظر في استراتيجية الفكر، وكان أحد السارقين مسلما، والثاني مسيحيا، والثالث هندوسيا، فكر صاحب الحديقة في الموضوع بدقة، لأنه لوهاجم وهو واحد الثلاثة لم يحصل له النجاح، ولن يصل إلى نتيجة متوخاه، وهو النيل من الثلاثة جميعا، فليس من المعقول أن يهاجم واحد ثلاثة وهم مجتمعون، فجائته فكرة التمزق والتشقق والتفريق فيما بينهم، وكان هذا هو الحل للوصول إلى الهدف المطلوب، وللحصول على الغرض المنشود. فقال صاحب الحديقة للمسلم بكلمة حلوة لطيفة : " لا بأس، أنت مسلم وأخي في الدين، فلاجناح عليك أن تأكل من حديقتي ولك الحق في ذلك، وهذا المسيحي أيضا بمثابة أخي، حيث إنه من أصحاب الأديان السماوية، فلا شأن لي بكما، ولكن هذا الهندوسي الفاجرالخسيس ليس له أي حق في حديقتي، كل غضبي عليه لا عليكما، لن أترك هذا النذل الخبيث، فلاتتدخلا في أمري معه".
وقد أثر في الصديقين منطق صاحب الحديقة، فتخاذلا عن صديقهما الهندوسي وتنازلا عن الدفاع عنه، ولما وجد صاحب الحديقة الهندوسي وحيدا فردا منعزلا مخذولا، هاجمه بالضرب انتقاما منه، حتى أنهكه وأعجزه، ولما فرغ من النيل منه توجه إلى المسيحي، وقال له بلفظ فظ غليظ: " يا مسيحي! لماذا جئت إلى حديقتي؟ من أين لك هذا الحق؟ هذا أخي المسلم له الحق في حديقتي، ولكنك تخالفني في ديني، فلايحق لك أن تأخذ من حديقتي، وقال وهو يخاطب أخاه المسلم، يا أخي! دعني ألقنه درسا لاينساه أبدا، فلا تتدخل أنت بيني وبينه.
وأثرت الفكرة في المسلم فتخاذل عن صديقه المسيحي وترك أمره وشأنه، وظن أنه هو الناجي من بين الثلاثة، وإن صاحب الحديقة لايتعرض له أبدا، ولكنه لايعلم أي منقلب ينقلب صاحب الحديقة، ولما وجد الفرصة للنيل من المسيحي أخذه وضربه ضربا مبرحا حتى جعله جريحا رهين الفراش، وبعد ذلك جاء دور المسلم ليدفع ثمن ما فعل، تخلص صاحب الحديقة من الإثنين، وبقي الثالث وهو المسلم، فلما وجده وحيدا ليس معه من يعاونه ويساعده طفق صاحب الحديقة يأخذ الثأر منه، وقال له : " ألا تخجل بادعائك للإسلام وتفعل هذه الفعلة الشنيعة؟ إنك وصمة عار للمسلمين، كيف لي أن أتركك حرا طليقا ؟ إنك أجدر بأن تعاقب على ما فعلت، فأثخنه ضربا وشد وثاقه.
وهكذا استطاع صاحب الحديقة الانتقام من الثلاثة بدون أي معارضة وممانعة، بمنطقه الخلاب الخادع والمؤثر الفعال في التفريق بين الأصدقاء، ولولا خذلان الأصدقاء بعضهم البعض، وترك نصرة بعضهم لبعض، وعدم التكافل والتضامن الأخوي لانعكس الأمر تماما وانقلب رأسا على عقب، ولم يتفكر صاحب الحديقة في أخذ الثأر منهم أبدا .