كيف نكافح الإرهاب ونعيش بالأمن والسلام؟

محمد هارون العزيزي الندوي

لقد كثرت المفاوضات والطروحات أخيرا عن موضوع الإرهاب وطرق مكافحته، وتضخمت الصحف والمجلات والجرائد بالبيانات والتقارير والمقالات عنه ، وعُقدت ندوات ومؤتمرات للبحث والفحص عن هذه المشكلة التي أصبحت اليوم أكبرمشاكل العصر لجميع الدول، ليتم الوصول إلي حل نافع حاسم لهذا المأزق الكبير، فما من دولة علي صعيد العالم اليوم إلا وتشكو من الإرهاب والشدة والعنف والتطرق والممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية.

ولقد سودت قراطيس ضخمة، وبذلت أفكار هائلة، وأنفقت المبالغ الباهظة من الأموال والثروات الغالية من جانب الدول الراقية المتقدمة النامية تقنيا وثقافة وحضارة، لقصد الحصول علي ما يسمي بـ (الظبي الذهبي) للأمن والهدوء والسكون وعدم الإرهاب، ولكن هذه الجهود كلها تذهب سدى، ولم تستطع أن تسفر عن أي نتيجة متوخاة، ولم تأت بأي حل فعّال يؤتي به إلي الوجود، بل خابت آمالهم وباءت بالفشل، فما هو الحل إذا لهذه المشكلة التي شكلت خطرا كبيرا ولعنة كبري علي المجتمعات من غير استثناء بين أفراد دون أفراد؟ أليس لها حل؟ هل تبقي هذه المشلكة مستمرة تطارد الناس وتهاجمهم في عقر دارهم وعلي بكرة أبيهم؟

لا، لابد من أن يكون منها منجى ومأوي ومخلص يأوي إليه الناس، فيستريحون من الخوف والدهشة والزوبعة، نعم !

لهذه المشكلة حل صحيح ولاشك فيه، ولكن هذا الحل يحتاج إلي أن ندرسة درسا صحيحا ونفهمه فهما كاملا، ثم نطبقه تطبيقا دقيقا عمليا فعالا في حياتنا الفردية والجماعية، فإذا حاولنا ونحن نعيش القرن الخامس عشر للهجرة أن ندرك ذلك الحل المطلوب المنشود من التاريخ وجدناه واضحا جليا لامعالا عبار عليه، وإذا غايرنا النظر الفاحص إلي التاريخ الإنساني وصلنا إلي نتيجة حتمية هي أن ( مكافحة الإرهاب) إنما هي في اتباع سنة سيد المرسلين – صلي الله عليه وسلم – ألف ألف مرة .

ولأجل ذلك علينا أن نوازن بين زمان قبل مبعثه – صلي الله عليه وسلم – وبين زمان بعد بعثه ، فنجد في التاريخ أن العالم كله كان محاطا بالإرهاب واللادينية والبربرية والوحشية والهمجية والفساد ، كان الناس لايعرفون معني من المعاني الإنسانية النبيلة والقيم والمثل العليا، وكان المجتمع كله مملوءا بالحرب والكذب والخيانة والخلاعة والمجون حتي وصل الناس إلي غاية الجهل وحضيض الدمار والهلاك.
آنذاك بعث نبينا محمد - صلي الله عليه وسلم – إلي كافة الخلق بشيرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا، بعث بالحنيفية السمحة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها الاهالك، فعلم الناس مباديء الأخلاق الحسنة والقيم والمثل العلياء، والإنسانية والإخوة والمواساة والمساواة والتواد والتراحم والصدق والأمانة والعفو والكرم، وعلَم الناس كيف يعيشون عيشة أخوية متحابة متكاتفة ، صافية لاغبار عليها، طاهرة لادنس فيها ، ورباهم تربية ربانية خالصة، فتعلم أصحابه –رضي الله عنهم – منه كل ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية والجماعية وتربوا علي مائدة القرآن الكريم الذي لايأتية الباطل من بين يديه ولامن خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وتربوا علي نفحات الشخصية المعصومة، شخصية الرسول المعصوم الطاهر- صلي الله عليه وعلي أله وصحبه وسلم –.

فبفضل تلك التربية الربانية ، وبفضل تلك التعاليم السماوية ، وجد في جزيرة العرب مجتمع بشري مثالي منقطع النظير، مجتمع لايعرف الكذب والغدر والخيانة والمجون واللاإنسانية وشن الاغارة والسرقة والنهب والشطارة والاغتصاب ولا... ولا... بل مجتمع كله أمن وسلام ووئام وتوادد وتأزر وتساند وتعاطف وتكاتف وتراحم وما إلي ذلك من المعاني الإنسانية السامية.

كيف لا؟ وقد علّمهم نبيهم نبي الإنسانية والرحمة كل شيئ ، بين لهم أن المؤمن أخوه إذا اشتكى عينه اشتكي كله، وان اشتكي رأسه اشتكي كله، وقال لهم: والله لا يؤمن، والله لايؤمن، والله لايؤمن، قيل من يارسول الله ؟ قال : من لايأمن جاره بوائقه، وقال أيضا: ( لايؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).

وقال في حجة الوداع في خطبته الجامعة، علي مسمع يزيد علي مائة ألف نفس من المسلمين: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألاهل بلغت ؟ ) وقال : (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه ) وهكذا من التعاليم القوية المتينة ، كان أصحابه – صلي الله عليه وسلم – يعملون بهذه التعاليم بكل جد واجتهاد، وحققوها تحقيقا دقيقا في جميع شعب حياتهم ، فنجوا عن جميع المنكرات والسيئات بما فيها الإرهاب المذموم والشطارة وغير ذلك.

وإنما حصل للصحابة ما حصل باتباع سنة نبيهم ، فلو اتبعا نحن سنته- صلي الله عليه وسلم – حذو النعل بالنعل لنلنا السلامة والعافية والراحة، ولعشنا عيشة أخوية متحابة لاتترعرع فيها السيئات ولاتزدهر فيها المنكرات، قال الإمام مالك: لن يصلح آخرهذه الأمة الابما أصلح به أولها، فالمهم والأهم لمكافحة الإرهاب ولدفع كل منكر اتباع سنة النبي – صلي الله عليه وسلم – قال تعالي: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم).

اترك تعليقاً