تأليف : محمـد هـارون العـزيزى النـدوى
قبل أن أتكلم عن دخول الإسلام إلى بنغلاديش مباشرة ، أود أن أعرف إلى القراء "بنغلاديش" جغرافيائيا ، لأنه ربما لايكون القارئ على علم وبصيرة بجغرافيا بنغلاديش وموقعها الاستراتيجى والمعلومات اللازمة للتعريف بها. فإليكم نبذة يسيرة من تاريخ بنغلاديش :
التعريف والموقع الجغرافيائى والحدود والمساحة وعدد السكان :
لم يعرف اسم " بنغلاديش " في التاريخ ، ولم يوجد في خريطة العالم إلا حديثا ، وذلك في القرن الثالث عشر الهجري الموافق سنة 1971م ، في اليوم السادس عشر من ديسمبر، اليوم التاريخي والتذكاري لأهل بنغلاديش. وحصلت بنغلاديش على مكانتها اللائقة من الحرية والاستقلال بعد نضال طويل، بيد المناضل الباسل زعيم الحرية المعروف بنمر البنغال وأبى بنغلاديش الشيخ مجيب الرجمن . وكانت بنغلاديش معروفة باسم " الباكستان الشرقية " منذ 1947م إلى 1970م ، وقبل ذلك كانت جزءا هاما من الهند .
تقع بنغلاديش في شرق آسيا الوسطى بين 2034 و2637 خط العرض شماليا ، وبين 8801 و 9252 خط الطول شرقيا ، في منطقة محيطة بالبحار والأنهار والجبال والخضراوات والمناظر الزرقاء الخلابة والحدائق الخصبة والبساتين ذات بهجة .
وتشترك بنغلاديش في الحدود مع دولتين: الهند من ثلاثة جوانب ، وبورما من جانب واحد ، حيث تحدها من الغرب البنغال الغربي وولاية بيهار من الهند ، ومن الشمال البنغال الغربي وميغالاى وآسام من الهند ، ومن الشرق آسام وميجورام وتريفورا من الهند ، وبورما ، ومن الجنوب خليج البنغال. ومساحتها تبلغ إلى 56990 ميل مربع الموافق 147570 كلوميتر مربع .
وتنقسم جمهورية بنغلاديش إلى أربعة أقاليم : داكا ، وشيتاغونغ ، وخولنا ، وراجشاهى . وتوجد فيها 64 مديرية و460 شبه المديرية و4401 لجنة اتحاد و68385 قرية . ولغتها الرسمية " اللغة البنغالية". وعملتها تسمى بـ" تاكا "، ومناخها معتدل ومتوسط ، والغذاء الرسمى هو الرز والعدس ، ونظام حكمها النظام البرلمانى .
وتعتبر بنغلاديش من البلاد الكثيرة الأمطار والفيضانات والطوفانات . وفيها من الثروات : الثروة الحيوانية ، والثروة السمكية ، والثروة الغابية كما توجد فيها معامل ومصانع للحرف والصناعة.
وعدد سكانها حسب آخر احصائية 180 مليون نسمة تقريبا . ومنهم 3. 88% في المائة مسلمون و5.10% في المائة من الهندوسيين ، والباقي من المسيحيين والبوذيين و القاديانيين الذين يسمون أنفسهم بـ "الجماعة الأحمدية المسلمة" ، وأحمد النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم والمسلمون منهم براء .
وتعتبر بنغلاديش من حيث عدد سكانها ثامنة دول العالم ، ومن حيث عدد السكان المسلمين ثانية دول العالم الإسلامي .
قدوم العـرب إلى بنغلاديش قبل الإســلام :
إن التاريخ الحديث ولوكان يحاول - ولكن محاولته فاشلة - ويسعى أن يجعل ويعد قدوم العرب إلى مناطق البنغال وسكونتهم فيها من الوقائع والأحداث التى حدثت ما بعد الإسلام ، فإن التاريخ القديم ينكره بشدة ، لأنه يحمل فى بطون أوراقه ، وطي مجلداته ، ثروة ضخمة من المعلومات الواقعية ، والحقائق التاريخية الثابتة ، والوثائق المستندة المعتبرة، التى تنم عن حقيقة ، وتسفر عن واقعية ، وتدل بالوضاحة على أن العرب قدموا إلى البنغال وجعلوها مسكنا لهم مستقلا قبل أيام كثيرة كثيرة جدا.
قال الكاتب الآري التاريخي :
"إن منطقة "تري فورا" أو " تين " كان يقطنها العرب أولا ، ومنطقة "تين فوري" تحتوي على شيتاغونغ وكوملّا و راشاناه . وهذه المواضع الثلاثة كانت معروفة باسم "تري فورا" ، وكانت تحت سيطرة العرب ، وكان السكان في المناطق المجاورة لتلك المناطق يظنونهم أغوالا وماردين ، لكبر بنيتهم الجسمية وجسدهم الفضفاض ، صرح به المؤرخ الكبير كرنيل جريمي".
و قال سروليم جوناس في كتابه (scours on the Arabia ) :
" توجد في الهند أسماء تشبه الأسماء العربية كنهر " عربيان " وقوم "عرائب" أو "عربس" و"سفرو" و"سفارا" تقليدا لمركز العرب التجاري "سبائيا". وعلم أن منطقة " شابار" التي تقع في داخل داكا، كان العرب سموها بهذا الإسم ، وكانت ساعتئذ تنسج فيها ثياب "مَسلين" الرقيقة الشهيرة في العالم حينذاك ، وتصدر منها إلى شتى أنحاء العالم ومختلف نواحي البلاد ".
ويقول الدكتور رابرت سن :
"كان سكان ميناءات ومراسى هذا البلد وقاطنوه ، يفهمون اللغة العربية وكانوا يستطيعون أن يتكلموا بهذه اللغة ويتحدثوا بها ، وكانت الكثرة الكاثرة من أهل العرب يسكنون مدينة "كينتون"، من أشهر مدن بلاد الصين، حتى اضطر الإمبراطور الصيني على أن يعين لهم قاضيا مستقلا منهم، يعني فيما بينهم ، لكثرة مسائلهم بكثرة الأفراد والسكان، وكان ذلك تلبية لندائهم وإجابة على طلبهم .[1]
يقول عباس على خان في كتابه " تاريخ مسلمي البنغال " :
" لقد قدم كثير من التجار العرب قبل ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بزمان كبير إلى "مليبار"، وكانوا يذهبون دوما من هناك إلى الصين لغرض التجارة ، عابرين " شيتاغونغ " و" سلهت " و " كامروف". وهكذا كانت شيتاغونغ وسلهت منزلان من منازل طريقهم التجارى إلى الصين . وهذا يدل دلالة واضحة على أن العرب كان لهم مستعمرات في مليبار من الهند ، وفي شيتاغونغ وسلهت وغيرهما من المواضيع من بنغلاديش".[2]
متى وكيف دخل الإسـلام إلى بنغلاديش :
أرض بنغلاديش لها النصيب الأكبر والحظ الأوفر في كونها منبت العلماء والدعاة والمصلحين منذ طلوع فجر الإسلام إلى يومنا هذا ، حكم المسلمون هذه المنطقة كلها ستمائة وخمسين عاما ، واستطاع الإسلام أن يلعب دورا هاما ملموسا في هذه البلاد ، وأن تتكون هناك اليوم دولة مسلمة حرة ، ارتسمت فيها ملامح الإسلام وسماته على المجتمع والثقافة والأدب والتقاليد ودوائرالحكومة. وموقعها الإستراتيجي الطبيعي منح للمبلغين والمصلحين ولرجال الفكر والدعوة فرصة سانحة لأن يلعبوا دورا رائعا بارزا في مجال الدعوة والتبليغ ونشررسالة الإسلام وتعاليمه الصحيحة قرنا بعد قرن من أقصاها إلى أقصاها ، وأن يقوموا بتضحيات منقطعة النظير فى سبيل نشر رسالة الإسلام الخالدة وإعلاء كلمة الله العليا.
انتشار الدعوة الإسـلامية عن طريق التجار العـرب :
مما لايشك فيه اثنان أن الإسلام إنما ولد ونشأ وترعرع في جزيرة العرب ، ثم انتشر عن طريق التجار والدعاة والغزاة والمصلحين إلى جميع أنحاء العالم ، وكان العرب لهم حذق كامل وخبرة تامة في التجارة ، وكانوا يتجولون في ربوع العالم من مداها إلى مداها لغرض التجارة . وكل تاجركان بمثابة داعية يقوم بمهمة الدعوة والتبليغ بجنب التجارة ، وعن طريق أمثال هؤلاء التجار دخل الإسلام إلى بنغلاديش وانتشرت دعوته أولا في الساحل الشرقي والجنوبي لهذا البلد .[3]
1.أماتحديد وقت دخول الإسلام في بنغلاديش فعسير جدا، لأنه ليست عندنا مستندات تاريخية موثوق بها تشير إلى تحديد وقت دخول الإسلام وانتشار دعوته في هذا البلد ، وكل ما لدينا هى الأقوال الشائعة فى الناس والوقائع والقصص المتناقلة حول رجال التزكية ، وهى كثيرة .
اقرأ : القسط الثالث
الكاتب : الباحث الإسلامي الأستاذ محمد هارون العزيزي الندوي – إمام وخطيب جامع عبد الله علي يتيم بمملكة البحرين
.................................................................................
[1] - مأخوذ من مجلة "جاغو مجاهد" (استيقظوا أيها المجاهدون) الشهرية البنغالية ، العدد السادس 8/ من شوال سنة 1413هـ - 1/ فبراير سنة 1993م .
[2] - عباس على خان : تاريخ مسلمى البنغال ( باللغة البنغالية ) ص 15، الطبعة الثالثة ، المركز الإسلامى داكا ، بنغلاديش ، سنة مارس 2000 م.
[3] - الدكتور ابن غلام صمد : الإسلام في بنغلاديش ، باللغة البنغالية ، ص 10 ، الطبعة الأولى ، المؤسسة الإسلامية داكا ، سنة 1987.
وعبد المنان طالب : الإسلام في بنغلاديش ، باللغة البنغالية ، ص 53 ملخصا ، الطبعة الأولى ، بنغلابازار ، داكا ، بنغلاديش ، سنة 1980م .