تأليف : محمـد هـارون العـزيزى النـدوى
بعد القسطين السابقين...
الدعاة ومناهج دعوتهم في بنغلاديش:
ومما يجدر بالذكر أن المنهج الذى انتهجه هولاء الدعاة في دعوتهم ، هو أنهم كانوا يتعلمون أولا اللغة المحلية التى كانت متداولة ساعتئذ ، فكانوا يستخدمون اللغة كوسيلة هامة في نشر الإسلام ، وكان غرضهم أولا إعداد جيل مسلم خالص ، ثم نشر الإسلام مع التعاون منهم كتفا بكتف ، وكانوا يسكنون في القرى ثم يتجولون في ربوعها ليقوموا بعمل الدعوة ، والتبليغ فيها، وكان كثير منهم يقيمون الزوايا أو مراكز الدعوة في مختلف الأماكن ثم يقومون بالدعوة والتبليغ فيها.
وسنذكر فيما يلى انتشار الدعوة الإسلامية وأدوارها ومراحلها المختلفة عبر الأيام بالاختصار منسقا إن شاء الله تعالى .
أدوار الدعوة الإسلامية في بنغلاديش :
يمكن أن تقسم الأدوار للدعوة الإسلامية في بنغلاديش إلى أربعة أدوار من حيث السنين ، فالدور الأول يبتدئ من أوائل القرن الحادى عشر الميلادي إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي ، والدور الثاني يبتدئ من النصف الأخير للقرن الثالث عشر الميلادي ويمتد إلى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي ، والدور الثالث يبتدئ من أوائل القرن الخامس عشر الميلادي وينتهى إلى أواخر القرن السابع عشر الميلادي ويمتد إلى ثلاثمائة عام ، والدور الرابع يبتدئ من نهاية عصر المغول ويستمر إلى الآن .
الدور الأول وأشهر الدعاة فيه :
يمتد هذا الدور لانتشار الإسلام في بنغلاديش إلى 250 سنة تقريبا. وفي خلال هذه المدة المديدة قدم عدد كبير من الدعاة والمصلحين ، أمثال الداعية بايزيد البسطامي المتوفى سنة 261هـ - 874م ، والشاه سلطان البلخي ، والشاه محمد سلطان الرومي ، وبابا آدم الشهيد ، وفريد الدين غنج شكر، والشيخ مخدوم روبوش ، والشاه نعمت الله بُتشِكن (كاسر الأصنام ) ، ومخدوم شاه دولت الشهيد وغيرهم .
لقد واجه هؤلاء الدعاة والمبلغون أنواعا من العقبات والعراقيل والأصعاب في سبيل نشر الدعوة والإرشاد في بيئات غير إسلامية وظروف غير ملائمة ، ولكنهم لم يبالوا بها أيما مبالاة ، بل صمدوا على وجهها صمود الجبال الراسيات ، وحققت دعوتهم نجاحها بعد أن قضى كثير منهم نحبهم .
منهج دعوتهم :
إذا استعرضنا الموضوع وتصفحنا كتب التاريخ التى ألفت حول تاريخ الدعوة الإسلامية في هذا البلد ، وجدنا أن الدعاة في الدور الأول استخدموا وسائل عديدة في حقول الدعوة والتبليغ ، وهي :
إقامة المراكز الدعوية والإصلاحية ، وانشاء الزوايا الروحية الربانية ، ودعوة غير المسلمين من الهنادك والبوذيين إلى الإسلام من طريق عرض محاسنه عليهم ، وإذا كانوا يرفضون الدعوة الإسلامية ويحاولون صد الناس عن سبيلها يستعدون للحرب ، فأكثرهم يعتنقون الإسلام بعد الحرب ، وإنشاء الجيل الدعاة إلى الإسـلام ، وبعثهم إلى أنحاء شاسعة ، وربما يقومون بالدعوة بمدد ما يظهر منهم من الكرامات والوقائع الخارقة ، واستجلاب قلوب الناس إلى الإسـلام بعرض فضائله ومناقبه عليهم ، وانشاء المساجد كمقر للدعوة والتبليغ .
الدور الثانى وأشهر الدعاة فيه :
وهذا الدور يمتد إلى مائة سنة ونيف ، وما واجهه الدعاة في الدور الأول من عقبات وعراقيل وشوكات الطريق لم تنته كليا ، بل بقيت مثل هذه العقبات في الدور الثانى أيضا ، نعم إن التيارات المعادية قد تخففت في الدور الثانى بالنسبة إلى الدور الأول ، وكان من حسن المصادفة لدعاة الدور الثاني أنهم حصلوا تأييدا وتعاونا من قبل السلطة الحاكمة .[1]
وهذا الدور دور ذهبي لنشر الإسلام حيث إن الدعوة الإسلامية حظيت بقبول عظيم في هذا الدور ، ففي ناحية قدم عدد هائل من الدعاة والمبلغين والمصلحين من بلاد العرب واليمن و العراق وايران وتركيا ومن الهند ، وذلك في النصف الأخير من القرن الثالث عشر الميلادي إلى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي ، وقاموا بتبليغ الإسلام في بنغلاديش على نطاق شامل ، وفي ناحية أخرى قام الحكام المسلمون في هذا الدور بدور فعال يستحق الإجلال والتقدير في مجال نشر الإسلام في هذا البلد ، فانتشر الإسلام في هذا الدور انتشارا واسعا سريعا بمساعى كل من الفريقين.
وأشهر الدعاة في هذا الدور:
الشاه تركان الشهيد ، ومولانا تقي الدين العربي ، والشيخ شرف الدين أبوتوامة ، والشيخ شرف الدين يحى المنيري ، والشيخ عبد الله الكرماني ، وأميرخان لوهاني ، وجعفرخان الغازي ، والشيخ بدر الدين ، والسيد عباس على المكي ، والشاه جلال مجرد ، والشاه مالك اليمني ، والسيد مولانا أحمد التنوري ، والشيخ علاء الدين علاء الحق ، والشاه محمد البغدادي ، ومن رجال الحكومة محمد بختيار الخلجي ، وشمس الدين فيروز شاه ، وفخرالدين مبارك شاه ، وشمس الدين إلياس ، وسكندر شاه ، وغياث الدين أعظم شاه.
الدور الثالث وأشهر الدعاة فيه :
وهذا الدور يمتد إلى ثلاثمائة أعوام ، وفي أثناء هذه المدة الطويلة تدعمت حكومة المسلمين في البنغال ، وقد أسلم عدد هائل من الهنادك والبوذيين على أيدى الدعاة في أواخر القرن الرابع عشر ، وكان عدد المسلمين القادمين من الخارج غير قليل أيضا، فقويت القوة المسلمة بالتقاء هذين العنصرين ، ولأجل ذلك فإن دعاة الدور الثالث وجدوا المجال مواتيا ومتمهدا بالنسبة إلى الدعاة الأوائل ، وعلى الرغم من ذلك كله أنهم واجهوا عراقيل في كثير من المجالات ، من قبل القوة الكافرة .
وأشهر الدعاة في هذا الدور الشاه نور قطب العالم ، والشيخ أنور الشهيد ، والشيخ زاهد ، والشيخ زين الدين البغدادي ، والسيد أشرف جهانغير سمنائي ، والشيخ بدر الإسلام الشهيد ، والشاه اسماعيل الغازي ، وخان جهان علي ، وبدر الدين بدر عالم الزاهدي ، والشاه شريف زنداني ، والشاه جلال دكني ، والشيخ حسام الدين مانكفوري ، والشاه سلطان الأنصاري ، والشاه عبد الله الكجراتي ، ومخدوم شاه ظهيرالدين ، ومبارك الغازي ، والشاه أفضل محمود ، والغازي محمد بهادر، والشاه علي البغدادي ، والشاه جلال الحلبي ، والشاه نعمت الله ، ومولانا شاه عبد الرحيم ، والسيد عبد الخالق البخاري ، والشاه عبد الرشيد وغيرهم كثيرون .
وأما مناهج دعوتهم فإنهم ذهبوا فى ذلك مذاهب عديدة ، منها القيام بعمل الدعوة بالاستيطان بصورة دائمة ، وتمهيد الطريق إلى تعليم العلوم الإسلامية عن طريق تأسيس مسجد وإنشاء مدرسة إسلامية .
الدور الرابع والعوامل الأساسية :
هذا الدور طويل جدا ، يمتد من نهاية عصر المغول إلى الآن ، ويشتمل على العناصر التالية :
·تأثير حركة الإمام ولي الله الدهلوي العلمية والفكرية والدعوية على الشعب البنغالى في إحياء علوم القرآن والسنة .
·السيد أحمد بن عرفان الشهيد ونفوذ دعوته الإصلاحية فى نواحي بنغلاديش .
·الحاج شريعت الله ونفوذ دعوته وثورته باسم " الثورة الفرائضية " التى حصلت لها صيت كبير وسمعة جيدة في ربوع بنغلاديش.
·حركة تتومير وآثارها فى شعب بنغلاديش.
·الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونفوذ دعوته فى بنغلاديش بواسطة الدعاة المستفيدين من الشيخ ثم بواسطة توافق الفكر الإصلاحي بينه وبين أهالى المدارس القومية .
·السيد جمال الدين الأفغانى وأثردعوته وفكرته فى بنغلاديش.
·معهد دار العلوم ديوبند، الهند وخدمات أبنائه البنغاليين فى مجالات الدعوة والتعليم والتبليغ ونشر التوحيد الخالص والرسالة العظمى الخالدة، وإصلاح المجتمع من البدعيات والشركيات والوثنيات وفتنة القبوريين، والبريلويين، والقاديانيين .
·معهد دارالعلوم ندوة العلماء لكناؤ، الهند وخدمات أبنائه البنغاليين فى مجالات الدعوة والأدب والثقافة وإصلاح المجتمع .
·الجامعات و المدارس الدينية الأهلية والقومية والكتاتيب والمعاهد والمراكز الإسلامية وتأثير خدماتها الجبارة الجليلة فى تعميم الوعى الإسلامى وتعاليم الدين الحنيف فى أبناء وبنات الشعب البنغالى ، ولشدة تمسكهم بالسنة وتنفرهم عن البدع والخرافات سموا بـ" الوهابيين " .
·حركة أهل الحديث بجميع طوائفهم وآثار دعوتها فى رد الشرك والبدعات والتقاليد الجاهلية وإحقاق التوحيد والسنة .
·حركة الداعية الشيخ محمد إلياس التبليغية وآثارها فى إصلاح الأفراد والمجتمع وإحياء النشاط الدعوي والغيرة الإيمانية والوعي الإسلامي ، وإعادة ثقة المسلمين بدينهم وإيمانهم .
·الدعاة الذين استرشدوا عند السيد أحمد بن عرفان الشهيد وأمروا بعمل الدعوة والإرشاد والإصلاح فى بنغلاديش. على رأسهم الشيخ كرامت على الجونبورى ، والشيخ إمام الدين ، والشيخ الصوفى نورمحمد نظام فورى ، والشيخ عبد الحكيم ، وانضم إلى هذا الركب أخيرا العلامة الإمام الداعية السيد أبوالحسن على الحسنى الندوي ، فزار بنغلاديش تكميلا لجهد جده الشيخ السيد أحمد بن عرفان الشهيد رحمهما الله تعالى .
·وهناك دعاة فى العصر الأخير ، الدور الرابع ، كان لدعوتهم أثر كبير فى نشر الوعى الإسلامى وإصلاح المجتمع.
أذكر هنا أسماء بعض الدعاة والمشائخ على سبيل المثال لا على سبيل الحصر والقصر والاستقصاء ، فإن ذلك يحتاج إلى أسفار ومجلدات كبار ، فمنهم :
الكاتب الإسلامى الداعية الشيخ شمس الحق الفريدبورى ، وشيخ الكل العلامة الشيخ ضميرالدين ، والعلامة الشيخ عبد الحميد فخر البنغال ، والشيخ الصوفي عزيز الرحمن ، والشيخ العلامة محمد الراموى ، والعلامة الشيخ المفتى محمد فيض الله صاحب المؤلفات الكثيرة بالعربية والفارسية والأردية، والعلامة الأديب الداعية المفتى محمد عزيزالحق صاحب المؤلفات الكثيرة، والشيخ المجاهد أحمد حسين ، والعلامة الشيخ محمد خليل الرحمن الراموى ، و العارف الربانى الشيخ محمد هارون البابونغرى ، والشيخ العلامة الزاهد محمد الله الحافظجى حضور، والعلامة الخطيب الأعظم الشيخ صديق أحمد ، والعلامة الشيخ مشاهد البهيمبورى ، والعلامة المفتى محمد نورالحق ، والشيخ الداعية محمد يونس عبد الجبار، والعلامة الشيخ أطهرعلى ، والشيخ الداعية سلطان أحمد النانوبوري، والشيخ الداعية مظهر الإسلام النانوبوري ، والشيخ العلامة تاج الإسلام فخر البنغال ، والشيخ العلامة الداعية عبد الله الكافي ، والشيخ الداعية منشي مهرالله ، والشيخ العلامة الداعية شارح الحديث أبوالحسن البابونغري صاحب تنظيم الأشتات لحل عويصات المشكاة، والشيخ الداعية على أحمد البوالوي، والشيخ المحدث العلامة عبد العزيز الفتكصريوي ، والشيخ العلامة نورمحمد الأعظمي مترجم مشكاة المصابيح بالبنغالية، والعلامة الداعية الشيخ دين محمد، والشيخ الداعية عبدالرحيم صاحب المؤلفات الكثيرة باللغة البنغالية ، والشيخ العلامة طاهر السلهتي ، والشيخ العلامة حبيب الله ، والعلامة الشيخ سعيد أحمد السنديبي ، والشيخ عبد الله الندوي ، والعلامة الشيخ المفتى عميم الإحسان صاحب المؤلفات الكثيرة بالعربية والبنغالية، والعلامة علاء الدين الأزهري ، والشيخ عبد الأحد القاسمي، والشيخ العلامة المفتى إبراهيم صاحب الحواشي الكثيرة على أكثر الكتب التى تدرس في المدارس النظامية ، والشيخ العلامة المحقق المدقق أستاذ الأساتذة محمد اسحاق الغازي ، ومترجم صحيح البخاري شيخ الحديث العلامة عزيز الحق ، والعلامة الشيخ عبيد الحق خطيب بيت المكرم ، والشيخ المفتي محمد يوسف الإسلام آبادي ، والشيخ العلامة عبد الرحمن الكاشغري ، والشيخ عنايت علي ، والشيخ بشير أحمد شيخ باغا السلهتي ، والشيخ عبد الكريم شيخ كوريا السلهتي ، والشيخ محمد أكرم خان ، والشيخ منير الزمان الإسلام آبادي ، والشيخ نعمت الله ، والشيخ القاري إبراهيم ، وفقيه الملة العلامة المفتي عبد الرحمن ، والشيخ العلامة نور الدين الغوهربوري ، والشيخ السيد فضل الكريم بير صاحب سرمونائى ، والعلامة الأديب مترجم معارف القرآن الشيخ محي الدين خان ، والشيخ الصوفي عبد الجبار، والشيخ العلامة محمد هارون الإسلام آبادي ، والعلامة الشيخ فضل الحق الأميني وغيرهم من العلماء الكبار والدعاة العظام .
الكاتب : الباحث الإسلامي الأستاذ محمد هارون العزيزي الندوي – إمام وخطيب جامع عبد الله علي يتيم بمملكة البحرين
[1] - الإسلام فى بنغلاديش ، ص 96.