أسوة الحبيب المصطفي ﷺ في الحياة الزوجية

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الاحزاب.

الحياة الزوجية هي نعمة عظيمة من أهم النعم التي يُكرم الله الإنسان بها، و إنه سبحانه و تعالى خلق الناس للعبادة ،و لم يستخف حاجتهم الجنسية ، بل أعطاهم بعقد الزواج حياة زوجية كنعمة كبيرة ، و نبّههم على اختيار زوجة مناسبة لتكون الحياة الزوجية كحياة سعيدة رائعة.

أسس الاختيار :

لقد دعا الإسلام من خلال الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة إلى ضرورة حسن اختيار كل طرف للطرف الآخر، فالرجل يجب أن يختار زوجة صالحة مناسبة لأبنائه، و الزوجة كذلك يجب أن تختار الزوج ذا الدين القويم لأبنائها .

أما إذا تقدم للفتاة رجلان أو رجال بنفس الالتزام الديني، فإنها يجب أن تنظر إلى عائلة كل منهم والتزامهم وحسن أخلاقهم وسيرتهم ، و كذلك الرجل ،و ذلك لأن صلاح أهل الرجل و المرأة سينعكس على الأولاد.

و بهذا الصدد من أهم الأمور التي يجب أن يأخذها الطرفان بعين الاعتبار عند الاختيار هو درجة الإيمان بالله وحسن الالتزام بتعاليم الدين السليمة.

قوله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) سورة النور.

و دعا الرسول ﷺ الشباب أيضا إلى اختيار الفتاة ذات الدين، لأنها ستكون مربية جيدة لأطفاله، وفي ذلك قوله عليه السلام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )رواه البخاري 5090، و مسلم 1466.

و في حديث آخر : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»رواه النسائي برقم 3232.

وقد وُصفت المرأة الصالحة في حديث رواه النسائي في سننه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه قَالَ: "قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ" (برقم: 3231)

ثانيا: أن تكون بكرا: لقوله عليه السلام عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، رضى الله عنهما يَقُولُ تَزَوَّجْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَا تَزَوَّجْتَ ‏"‏‏.‏ فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا ‏"‏‏.‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ هَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ ‏"‏‏.‏رواه البخاري : 5080.

و في حديث آخر- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ . رواه ابن ماجة : 1861.

ثالثا: أن تكون ودودة ولودة: كما روى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ" رقم الحديث: 2050.

و لا مجال للإنكار أن الزوجين الصالحين يلعبان مساهمة قيمة في صنع تربية الأولاد كما يدل عليه قول الله عز وجل: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾.السورة ورقم الآية: الأعراف (58).

و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمد ، و على آله و صحبه أجمعين .