أصبحت العلاقات الدبلوماسية لبنغلاديش مع باكستان فجأة موضوع نقاش مرة أخرى، لكن ما يحدث في الهند أكثر بكثير مما يحدث في بنغلاديش، هناك نوع من الاضطراب والقلق واضح الآن في وسائل الإعلام الهندية، حيث أفادت صحيفة هندو الهندية أن المفوضة السامية الهندية في دكا لم تتمكن من مقابلة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة حتى بعد أربعة أشهر من الطلب.
ويرى محللون ومثقفون هنود أن المكالمة الهاتفية التي أجراها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مع رئيسة الوزراء البنغلاديشية الشيخة حسينة خبر سيء للغاية بالنسبة للهند، حيث حاولت باكستان اغتنام الفرصة في حين فقدت دلهي التركيز على جيرانها في أعقاب الصراع العسكري بينها و بين الصين، بينما سمعنا خلال العقد الماضي أن علاقات الهند مع بنغلاديش في أفضل حالاتها في فترة ما بعد الاستقلال، يبدو أن قلق الهند هو أنه في الواقع إما أن أساس الصداقة هذا ليس قويا جدا أو أن هناك مشاكل في مكان ما.
اقرأ أيضا : عمران خان للشيخة حسينة : نريد علاقة دائمة وطيدة مع بنغلاديش
في وقت جائحة كورونا في جميع البلدان تقريبا بسبب المسافة الاجتماعية والنظافة كان جميع أنواع مراسم الدولة مغلقة أو محدودة، لذا من الصعب أن نفهم لماذا تقلق الهند إذا لم تلتق رئيسة الوزراء بضيف أجنبي أو دبلوماسي، بدلا من ذلك تشير هذه المخاوف إلى وجود عرقلة في العلاقة، يبدو أن الشرط المسبق للتقارب مع الهند هو عدم إقامة علاقات جيدة مع أي بلد لديه عداوة مع الهند.
سبب التوتر الدبلوماسي لبنغلاديش مع باكستان هو معارضتها لمحاكمة مجرمي الحرب في بنغلاديش ودعمها للمدانين، وعلى الرغم من تراجع العلاقات الدبلوماسية بسبب هذا التوتر، لم تقم بنغلاديش قط بقطع العلاقات مع باكستان.
ونعلم جميعا سبب ركود منتدى التعاون الإقليمي (سارك) تقريبا، ولكن لمكافحة وباء كورونا، اتخذت الهند زمام المبادرة لإحياء السارك، وبصرف النظر عن سارك ، فإن باكستان وبنغلاديش حليفتان لتحالف آخر يسمى D-7، كان من المقرر عقد قمة الحلف في دكا في أبريل الماضي، ولكن تم تأجيلها بسبب الوباء، فإن لم يكن كورونا، كان يزور عمران خان إلى دكا لهذه المناسبة، ربما فوجئ المحللون الهنود بالاجتماع عن بعد واجتماع المفوض السامي الباكستاني مع وزير الخارجية عبد المؤمن لسبب تأجيل المؤتمر.
تحدث دبلوماسيون ومحللون هنديون من قبل عن علاقات بنغلاديش الاقتصادية الأوثق مع الصين، وهو أمر غير معقول حسب قولهم في كثير من الحالات وفي بعض الحالات ليس لائقا، على خلفية تصاعد الأعمال العدائية مع الصين وميل نيبال وبوتان وسريلانكا نحو الصين بين جيرانها، هناك فكرة أن العلاقات الجيدة مع بنغلاديش ستكون أولوية بالنسبة للهند، لكن الواقع مختلف تماما.
إن الفرص التي وفرتها بنغلاديش للتجارة والاستثمار للهند كانت غير مسبوقة ولكن على العكس من ذلك تم تجاهل مسألة الإنصاف في المعاملات التجارية مع بنغلاديش من نيودلهي، حتى ذلك الحين فإن الهند متخلفة كثيرا عن الصين من حيث فرص الاستثمار وذلك بسبب القدرات المحدودة للهند مقارنة بالصين.
كما أن الصين تتقدم كثيراً على الهند في مساعدة بنغلاديش لمقابلة جائحة كورونا، وهذا أيضا بسبب القدرة على تحمل التكاليف، لقد استفادت الصين بالفعل من إنتاج معدات الحماية الشخصية والأقنعة وأجهزة الاختبار، من ناحية أخرى ، كان أحد المواد الرئيسية التي أرسلتها الهند هو هيدروكلوروكوين ، وهو دواء يستخدم لعلاج الملاريا ، ولم توافق منظمة الصحة العالمية على استخدامه لعلاج كوفيد-19.
نظرًا إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه ركودًا كبيرًا بسبب الوباء، فقد واجهت بنغلاديش المخاطر عدم اليقين كدولة تعتمد على التصدير، وفي ظل هذه الظروف، منحت الصين دخول بضائع بنغلاديش في أسواق الصين معفاة من الرسوم الجمركية، ولكن في وسائل الإعلام الهندية ، تمت مقارنة القضية برشوة لبنغلاديش، وقد سلط الضوء السلبي على استجابة بنغلاديش الإيجابية لدعوة الصين للانضمام إلى اختبار لقاح كورونا.
مثل هذا الموقف من جانب الهند لا يبدو أنه حادث معزول، ومن المؤسف والمُستهجن أن الحزب الحاكم في البلاد، حزب بهاراتيا جاناتا، يقوم بالدعاية المعادية لبنغلاديش منذ عدة سنوات بجعل الاختراق المزعوم قضية سياسية، ووصف رئيس الحزب أميت شاه المتسللين المزعومين النمل الأبيض استهزاء وتحقيرا، وتعهد بطردهم، وبالفعل في العام الماضي تم دفع بعض المسلمين الناطقين باللغة البنغالية في الهند بالقوة عبر الحدود إلى بنغلاديش.
وتعديل قانون المواطنة والسجل الوطني للمواطنين، يمثلان مدى اكتساب ما يسمى بقضية التسلل الأجنبي في سياسات الحزب الحاكم في الهند، حزب بهاراتيا جاناتا. وفي آسام تم استبعاد، 1.9 مليون شخص يتحدثون البنغالية من الجنسية، ويتم الآن اتخاذ مبادرات السجل الوطني للمواطنين في جميع أنحاء الهند بما في ذلك ولاية البنغال الغربية، وبطبيعة الحال هذه مسألة تثير قلق بنغلاديش، ومع ذلك فإن القيادة الحالية للهند ليس لديها أدنى مصلحة في حل تلك المخاوف.
وبعد سلسلة من المحادثات الثنائية خلال زيارة وزير الداخلية البنغلاديشي أسد الزمان خان كمال إلى دلهي في أغسطس من العام الماضي، صدر بيان منفصل ولم تتمكن الهند من الاتفاق على البياة، وهو بيان ينتناساه العديد من المحللين الهنود.
ومع هذه النظرية أحادية جانب من الهند وقعت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة في أكتوبر / تشرين الأول على عدد من مذكرات التفاهم الهامة خلال حضورها مؤتمرا اقتصاديا في دلهي، وعلى الرغم من أن توزيع مياه تيستا لم يتم حله، فقد تنازلت بنغلاديش بشأن مسألة مياه نهر فيني لصالح الهند، ومن بين هذه الاتفاقات تركيب رادار هندي للمراقبة قبالة سواحل بنغلاديش، لكن الهند لا تزال شحيحة في الاعتراف بها على النحو الواجب. ومن الغريب أن الحدود الوحيدة التي يقتل فيها مدنيون على يد حرس الحدود الهندي هي حدود بنغلاديش.
في أعقاب ذلك كان وزير خارجية بنغلاديش قد ألغى في ديسمبر الماضي زيارة مقررة لدلهي، وفي وقت لاحق، ألغى وزير الداخلية أسد الزمان خان زيارته لولاية ميغالايا الشمالية الشرقية، ولكن في الأشهر الستة الماضية ، لم تتخذ الهند أي خطوات لإثبات أن أزمة الثقة قد تم حلها، فلا توجد طريقة لإلقاء اللوم على الآخرين إذا لم تضمن كرامة وعدالة جيرانك.
ولدت بنغلاديش من خلال النضال من أجل الحقوق العرقية لشعبها وأبنائها، ولكن على الرغم من ذلك التاريخ، متجاهلة مشاعر غالبية الشعب، ظلت بنغلاديش صامتة تمامًا بشأن قضية جامو وكشمير، وبذلت حكومة بنغلاديش الحالية قصارى جهودها لتلبية احتياجاتها الأمنية من أجل تعزيز العلاقات مع جيرانها الأكبر حجماً والحفاظ عليه،. لكن اعتراف مستشار الأمن الهندي السابق "شيفشانكار مينون" يوضح الخلاف غير المرئي الذي نشأ في ظل علاقات جيدة بين البلدين.
وأبلغ مينون صحيفة أناندابازار في مقابلة في 21 يوليو حول السجل الوطني للمواطنين : "الطريقة التي أثيرت بها هذه المسألة برمتها ، خلال النقاش الداخلي وأثناء الاحتجاجات ضد CAA-NRC ، كثير من الشخصيات البارزة في بنغلاديش ووسائل الإعلام غير راضين عما قيل وفعل".
وأضاف : "سيكون من العار أن يتم إتلاف إطار التعاون الوثيق والبناء الذي بنته الحكومات الهندية المختلفة باستمرار مع بنغلاديش بسبب التصريحات التي أدلى بها القادة الهنود المؤثرون لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية.
أصل المقال للصحيفي البنغالي كمال أحمد، نشرته الصحيفة البنغالية "بروتم ألو".