نداء الوقت وواجب الساعة

محمد هارون العزيزي الندوي

تمرالأمة الإسلامية اليوم في مختلف أرجاء العالم وأنحائه بمنعطف خطير، وتعيش مرحلة صعبة من تاريخها، بسبب المؤامرات والدسائس التي تحاك وتدبر ضدها، وتستهدف كيانها ، فتتجدد بين حين وآخر نكسات وأزمات تكاد تزعزع بنيان العالم ، وتهز أركانه هزا عنيفا، وتستهدف القوى العالمية المختلفة الأمة الإسلامية بصفة خاصة لحملات واعتداءات شديدة، وتعرضها المشكلات ، وكانت أزمات تحول دون إقرار الأمن والنظام في مختلف أقطارها، وفي الوقت الذي كانت الأمة الإسلامية تواجه مآسي سوريا وكشمير وبورما واليمن والصين والعراق وغيرها من المآسي والبلايا، قامت إسرائيل ولازالت تقوم بشن الغارات تلو الغارات على مسلمي فلسطين العزل البذل، وقامت الصين بتعذيب المسلمين الأبرياء بأشد النكال، وقامت بورما بطرد خمسمائة ألف من المسلمين الضعفاء أويزيدون لاجئين إلى البلد الجوار بنغلاديش، وهكذا توالت عمليات الظلم والعدوان والبربرية والوحشية والهمجية واللاإنسانية من جانب أعداء الإسلام على المسلمين في مختلف أرجاء العالم .

هكذا الظروف والأوضاع في حال الأمة الإسلامية والله أعلم بأي نازلة تأتي بها الأيام والليالي والسنوات إلى هذه الأمة في مستقبلها ؟

إن مشاكل المسلمين هذه بعضها قديمة وبعضها حديثة ، وكل منها في موضعه أزمات لاتفوقها أزمة ، ومأساة ليست وراءها ماساة، ولانظير لها، ولكننا إذا جردنا النظر ونزلنا إلى أعماق الحقائق، وفحصنا الموضوع بدقة وهدوء ونظر عميق غاير، وجدنا هناك أزمة واحدة لا ثانية لها، هي أزمة الإيمان الصحيح والعمل الصالح والأخلاق الحسنة ، هذه هي رأس الأزمات وأم المشكلات، ومصدر البلايا والحوادث وهي كارثة الكوارث وهي مصيبة المصائب. إن فقدان الإيمان الصحيح وغياب العمل الصالح واعتلال الأخلاق وفسادها، وإن عبادة النفس والهوى في أوسع نطاق وأكبر مدى وفشو سوء الأخلاق في المجتمعات أحدث هذه المشاكل كلها.

إن الإنسان قلب العالم فإذا صلح الإنسان صلح العالم ، وإذا صلح العالم الإنساني ينسد باب المشاكل والأزمات، إن الذين يصابون بالنكبات والشدائد هم الإنسان ، وإن الذين يعيثون في الأرض فسادا ويحدثون للناس المشاكل هم الإنسان أيضا ، فإذا انفك الإنسان وامتنع أن يضر أحدا أو يظلمه أو يصيبه بمصيبة مهما بلغت مكانته من السيادة والقيادة والسلطة والريادة ، ومن علو شأنه و وجاهته في الناس وكثرة ثروته وغناه وما إلى ذلك فمن أي مصدر تصدر الحوادث والأزمات؟ ومن أي منبع تنبع المشاكل والمصائب؟ بل هناك تحسم مادة الفساد وتقلع جذوره، ويقوم الأمن والسلام في نطاق الأفراد والأسر والبيوتات والمجتمعات والحكومات ، وفي نطاق الأوضاع العالمية .

إن ظلم الإنسان واضطهاده على أخيه الإنساني وإساءته إليه واعتداءه عليه لأشد وأصعب من ظلم الأسد والسباع والضواري على النوع الإنساني ، ولذلك علم نبي الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية المثل والقيم العليا ، والأخلاق الإنسانية العالية ، ومنعهم عن الظلم والعدوان، وكفهم عن البغي والفساد في الأرض ، وأمرهم بالمؤاخاة والتوادد، وحثهم على أن يكونوا كأعضاء جسد واحد أنصارا وأخدانا، حيث قال صلى الله عليه وسلم : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وقال أيضا: والله لايؤمن والله لايؤمن ،قيل : لقد خاب وخسر ، من يارسول الله؟ قال : من لا يأمن جاره بوائقه ، وقال : الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله . وما إلى ذلك من التعاليم والتوجيهات التي وجهها نبي الرحمة والأمن والسلام إلى أمته المرحومة ، فإذا تحققت في الأمة تلك التعاليم في الحياة الفردية والجماعية ، وطبقت تطبيقا صحيحا ، وجد في العالم الإنساني مجتمع مثالي لاظلم فيه ولابغي ولافساد ولا سلب ولا نهب ولاشطارة ولاسرقة ولاخيانة ولاغدر ولاقتل ولا إغارة ولا إساءة أحد إلى أحد ، بل كله أمن وسلام ورحمة وتوادد وتعاطف وتساند وخير وعافية .

فعلى الإنسان عامة وعلى المسلمين خاصة أن يعودوا إلى الإنسانية الصحيحة وأن يرجعوا إلى الإسلام من جديد وأن يوطدوا فيما بينهم أواصر الحب وعلاقات المودة وأن يعتصموا بحبل الله المتين ولايتفرقوا وأن ينصروا المظلومين ويأخذوا بأيدي الظالمين أخذا شديدا، وأن يحلوا الضمائر والقلوب بحلية الإيمان الصحيح وأن يتحلوا بالأخلاق الحسنة .

إن مسئلة اليوم هي مسئلة الأنفس والضمائر، ليست المسألة مسئلة الأحزا ب والجماعات والحكومات ، كم مرة جربت الأمة عقلية تغيير الأشخاص والأحزاب والحكومات ، ولكن الأمر وقع خلاف ما يتوقع في كل مرة، يشهد التاريخ أنه ماتبدل حزب بحزب ولاتغير شخص بشخص إلا جاء الثاني أظلم وأطغى ، وما تغيرت وزارة بوزارة ولا حكومة بحكومة إلا كانت الثانية أشد قسوة وشرا .

فإلى متى تبقى هذه الأمة تجرب الأحزاب والحكومات؟ وتقاسي أصعب المظالم والاضطهاد؟ إن هذه التغيرات والتطورات لم تأت ولن تأتي إلى الإنسان بالأمن والسلام ورغد العيش وراحة الحياة بدون تغيير الأنفس والضمائر والقلوب وبدون تغيير الأفراد ، فإن الأفراد إذا كانت فاسدة بالية يكون المركب والمجتمع فاسدا، وخرابا بالطريق الواجب، فالمهم الأهم مسألة إصلاح الأفراد ، فإن صلحت فلاشك يصلح العالم الإنساني ويقوم الأمن والسلام .

فعلى الجميع اليوم الاهتمام البالغ بإصلاح النفس وبإصلاح المجتمع وتجهيز كل مسلم بسلاح الإيمان الصحيح وتزويده بزاد التقوى والأخلاق الحسنة ، وأن يتجنب كل مسلم كل الاجتناب عن المعاصي والذنوب والخطايا والمنكرات وسوء الأخلاق ، وعن كل ما يسوق إلى الفساد ، هذا هو نداء الوقت وواجب الساعة وجهاد اليوم ، (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .