بقلم: محمد جشيم الدين سفير بنغلاديش لدى دولة قطر
هناك حوالي مائتي دولة في العالم، كلهم في نفس العالم وكلهم يعيشون في نفس البيئة. لذا فإن جميع البلدان في عالم واحد تشترك في نفس المشاكل، وكل الدول؛ المتقدمة والنامية تواجه هذه المشاكل. لا توجد دولة لديها فرصة لإدارة ظهرها من هذا الواقع، حتى لو ابتعدت عن المشاكل والتحديات فإن المشاكل والتحديات لا تبتعد عنها، بل احياناً تعطينا دفعة كبيرة كأنها تجعلنا أكثر وعياً.
هذه البيئة أحاطت بنا منذ بداية العالم، حيث إن الحدود المشكلة بين الدول لم تتمكن من كسرها. لقد بدأنا جميعًا في دفع تعويضات عن عدم مراعاة البيئة في أنشطتنا التنموية، والتبادل مع راحة اليوم هو انعدام الأمن في الغد. إذا أردنا حل هذه المشكلة في جميع أنحاء العالم، فلا فائدة من حل هذه المشكلة في دولة واحدة فقط، بل علينا أن نفعل ذلك في جميع البلدان، رغم أن بعض الدول يجب أن تتحمل المزيد من المسؤولية، لأن هذه البلدان قد ألحقت الكثير من الضرر بالبيئة باسم التنمية الجامحة. فالنقطة المهمة هي أن جميع البلدان يجب أن تعمل معًا.
هناك فرق كبير بين زمن اليوم وبداية العالم، حيث إن العلوم والتكنولوجيا قد قرّبا دول العالم من بعضها البعض. ونتيجة لذلك، بجانب الكوارث البيئية يمكن أن تنتشر أنواع أخرى من الكوارث من بلد إلى آخر بسرعة كبيرة، وبسبب الترابط بين الدول أدى انتشار الأمراض المعدية مثل فيروس كورونا إلى ظهور تحديات جديدة أمامنا. إن مرض بلد ما سيقتل فقط مواطني ذلك البلد وسيكون شعب بلد آخر آمنًا! تركنا ذلك اليوم وراءنا. لقد جعلت العلوم والتكنولوجيا حياتنا أكثر راحة وأمانًا من أي وقت مضى. في الوقت نفسه، أدى التحسن الهائل في التكنولوجيا، خاصة في مجال الاتصال إلى مضاعفة مستوى الخطر. وفي سياق الوباء العالمي، لوحظ أنه نتيجة لهذا التواصل البيني، تمكنت جراثيم المرض من الانتشار بسهولة من دولة إلى دولة أخرى.
لا بديل عن التعاون الدولي في حل مثل هذه المشاكل البيئية أو الأوبئة العالمية، فإن رفض التعاون الدولي سيعني تكثيف التهديد لوجودنا بذاته. كما قالت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة في إحدى خطاباتها الأخيرة بلغة بسيطة للغاية "لا أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان" وقالت أيضا "إن الوباء علمنا أن الازدهار العالمي جزء لا يتجزأ من الإجراءات الجماعية والوحدة والتعاون الدولي"، كما تحدث حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر بنفس اللغة "تمثل جائحة كوبيد-19 تحديا غير مسبوق وتهديدا للإنسانية جمعاء على الأصعدة كافة"، وقال في خطاب للتعامل معها "إن المواجهة بجائحة كوفيد-19 وانعكاساته السلبية الخطيرة على الحياة والصحة العامة واقتصادات الدول تذكرنا بأن الناس على وجه الأرض بمثابة أسرة واحدة تواجه مصيرًا مشتركاً، وأن التعاون والعمل المشترك أمر حتمي لمواجهة التحديات العالمية"، وهكذا فإن القيادة العالمية الحكيمة الحالية تنظر إلى مشاكل العالم من منظور حكيم. ولسبب وجيه، فهم يبحثون عن طرق لحل هذه المشاكل من خلال التعاون الدولي.
وفي صميم العلاقات الثنائية بين بنغلاديش وقطر توجد هذه الرؤية المشتركة للتعاون بين المجتمع الدولي في حل القضايا الدولية من بين العديد من القضايا الأخرى. هذا النهج ذات أهمية كبيرة وحيوية في سياق الوقاية العالمية الأخيرة من انتشار فيروس كورونا. وأن هذا المكان من التفاهم المتبادل بين البلدين يرجى أن يؤدي إلى تعزيز وتوسيع مجال التعاون الهادف على الساحة الدولية، بالإضافة إلى أن هذا النوع من النهج يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على علاقاتنا الثنائية. وفي ضوء العلاقات الجيدة بين البلدين والسياسة الخارجية القوية لبنغلاديش، كانت دولة قطر تقدم دعمًا ثابتًا لبنغلاديش، كما هو متوقع بشأن قضية الروهينجا.
وبالنسبة للعلاقات الثنائية يمكن أن نقول بأن هناك ثلاث ركائز أساسية لهذه العلاقة. الركيزة الأولى: هي وجود أكثر من أربعمائة ألف من المغتربين البنغلاديشيين الذين يشاركون في أنشطة اقتصادية مختلفة بما في ذلك تطوير البنية التحتية في قطر. هذا العدد الهائل من السكان هو أحد مصادر تحويلاتنا المالية، حتى خلال فترة الجائحة لم يتوقف تدفق التحويلات من دولة قطر. هذا جزء من دبلوماسيتنا الاقتصادية أيضًا. اضافةً إلى ذلك، أن الإخوة والأخوات المغتربين يعملون أيضًا على بناء جسر بين بنغلاديش وقطر، حيث إن إخلاص الحكومة القطرية في حماية المغتربين البنغلاديشيين من الوباء خلال فترة كورونا والدور المناسب للأطباء العاملين البنغلاديشيين في هذا البلد قد عزز هذه الرابطة للعلاقات المتبادلة. الركيزة الثانية: هي العلاقات التجارية بين البلدين التي قد ازدادت تدريجياً في السنوات الأخيرة، من حيث إن استيراد الغاز الطبيعي المسال المراعي للمناخ من قطر يلعب دورًا كبيرًا. ونتيجة ذلك، قد تجاوز حجم التبادل التجاري بيننا مليار دولار. ومن الممكن زيادة حجم التجارة في المستقبل القريب عن طريق إضافة المزيد من المنتجات إلى سلة الصادرات لدينا. وبصددها، من الضروري إقامة اتصال سريع بين رجال الأعمال في البلدين وفتح مجال التعاون الفعال. والركيزة الثالثة يمكن مقارنتها بسلة، حيث يوجد فيها العديد من مجالات التعاون، ففي الرئيسي هو الاستثمار من قطر إلى بنغلاديش، إلى جانب ذلك، هناك مجال للتعاون المتبادل في مختلف القضايا على مستوى الشعب بما في ذلك الصحة والتعليم.
نحن بحاجة للتأكيد على نقطتين رئيسيتين في التعامل الدبلوماسي مع دولة قطر. واحد منهما هو الدبلوماسية الاقتصادية، وبشأنها لدينا إنجازات واضحة ولو كان ليس هناك مجال للتهاون، من حيث إن لدينا فرصة لتنمية تجارتنا في قطر من خلال دمج الإنجازات التجارية والقوى العاملة. وبشأن تصدير القوى العاملة، يمكن للمهنيين المهرة الاستفادة من مزيد من فرص العمل مع الفئة العاملة غير الماهرة وشبه الماهرة في مختلف المجالات بالدولة، حيث يمكن للفئة المهنية الماهرة العثور على وظائف مقنعة في هذا البلد، بجانب البلدان المعروفة كوجهة للتوظيف مثل دول أمريكا الشمالية وأوروبا. وإذا زاد عدد المهنيين المهرة في دولة قطر، ستستفيد بنغلاديش من نواح كثيرة؛ فمن ناحية، سيكون لهذا تأثير إيجابي على تدفقات التحويلات لدينا، ومن ناحية أخرى، فهم سيقدرون على المساهمة كجزء مهم من دبلوماسيتنا العامة من خلال تسليط الضوء على الإنجازات الإيجابية لبنغلاديش في قطر التي هي دولة مهمة في الشرق الأوسط. وهنا جدير بالذكر بأن سعادة وزير خارجية بنغلاديش قد أكد على الدبلوماسية الاقتصادية وكذلك الدبلوماسية العامة.
وأما الركيزة الثالثة للعلاقات الثنائية مع قطر والتي هي أساسًا مثل السلة، يوجد فيها العديد من القضايا، بما في ذلك الاستثمار، حيث يمكن اتخاذ المبادرات لتحويل كل منهم إلى ركيزة منفصلة. على سبيل المثال، إذا أصبحت علاقة الاستثمار أكثر تماسكًا، أي إذا زاد حجم الاستثمار بشكل جيد، فستصبح علاقة الاستثمار الثنائية ركيزة منفصلة بذاتها، وأيضا قطاع الصحة والتعليم قادران على وضع نفسيهما كركائز منفصلة. كما أن هناك العديد من الجوانب الإيجابية لنمو الركائز في أي مجال التعاون. أولاً، سيكون بالإمكان إقامة علاقات منفعة متبادلة في كل مجالات التعاون. ثانيًا، ستصبح علاقتنا الثنائية مستدامة على أساس متين. ثالثًا، سيؤدي هذا التقدم في العلاقات الثنائية إلى زيادة تسريع التعاون على الساحة الدولية.
والسؤال هو، هل من الممكن الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين بنغلاديش وقطر إلى مثل هذا المستوى؟ الجواب بكلمة واحدة، نعم ! هذا ممكن لعدة أسباب: أولاً، لا توجد هناك أية من قضايا متضاربة بين البلدين تعيق تقدم العلاقات، بل في الواقع فإن العلاقات الحالية بين البلدين ودية وأخوية، فالمجال جاهز لارتقاء المزيد من الأبعاد للعلاقة. ثانيًا، النهج الصحيح موجود مع بيئة ملائمة لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية. على سبيل المثال، هناك الموقف الإيجابي للترحيب بالفئة المهنية من بنغلاديش الموجود في الجهات المعنية بالدولة، كما توجد بيئة ملائمة في بنغلاديش، حيث إن دولة قطر مستعدة للاستجابة لأي حالة مواتية للاستثمار. ثالثا، قد تم وضع اتصالات مؤسسية لإجراء محادثات منتظمة بين البلدين، وقد عقد الاجتماع الأول على مستوى وزارتي الخارجية للبلدين في بداية هذا العام، وكان الاجتماع فرصة لمناقشة مختلف جوانب العلاقة بالتفصيل، وأن التواصل المؤسسي قادر على لعب دور فعال في تعزيز مجالات العلاقات المختلفة التي تم ذكرها سابقًا، كما توجد فرص لتحديد مجالات جديدة للتعاون في مثل تلك الاجتماعات.
والسؤال في هذه المرحلة، ما الذي يجب أن يفعله البلدان في هذه اللحظة؟ في رأيي، علينا القيام بثلاثة أمور: أولاً، تنظيم عقد اجتماعات دورية على مستوى وزارتي الخارجية. ثانيًا، إقامة قنوات للتواصل بين رجال الأعمال بما يمكن أن تؤدي لاحقًا إلى التواصل المؤسسي. ثالثا، تبادل الزيارات على المستوى السياسي. هذه المستويات الثلاثة من الحوار ستفتح الباب لاستكشاف المجالات والإمكانيات في علاقات قطر مع بنغلاديش. ومن دواعي السرور، أن بنغلاديش وقطر تعملان معًا لتحقيق هذا الهدف.
المصدر : الشرق