زهد العلامة الْمفتي فضل الحق الأميني رحمه الله

الكَمِّيّ الباسل الْمجاهد الْمقدام السياسي العظيمِ المدافعِ عن الدين والإسلام والأمةِ

بقلم / شاكر حسين الكملائي

من طلاب جامعة الأستاذ شهيد الله فضل الباري، داكا.

إنَّ الفقيهَ الرباني، المصلح العظيم، قائد الإسلام والمسلمين المحقق، العلامة، المفتي، الشيخ، فضل الحق الأمين رح. بَذَلَ النفسَ والنفيسَ في سبيلِ الجهاد والحركة الإسلامية والدفاعِ عن الدين والإسلام والذود عن الأمةِ ، وتَركَ الدنيا كلَّها وأعرض عنها ومضى إلى ربه تعالى لا يملِك من الدنيا شيئا ولم يترُكْ خَزانةً في البيت ولا عَقارًا ولا أملاكا، بل كان مديونا بالآلاف المؤلفة.

قال ابنه الصغير مولانا أبو الحسنات الأميني: “لما أصبح والدي الْمكرَّم عُضْوًا في البرلمان ازداد البيتُ فَقْرًا وحاجةً وعِشْنا طوالَ ثلاثة أشْهُرٍ على الأرز والعَدَسِ.”

وقال مولانا أشرف الزَّمان البَهارْبُوريْ بنُ العلامة عبد الحي البهاربوري -حفظه الله –

” ذهب الرئيسُ السابق حُسَيْن محمد إرشاد سنة 2001م إلى بيت الشيخ المفتي الأمين رح. لعيادته عندما كان مريضاً. فلمّا دخل البابَ سأل مَنْ حوله مِنْ أهل الحيِّ:  أين بيت الشيخ الْمفتي الأمين رح؟ قالوا هذا بيته بعدَما أشارُوا إلى الكوخِ ولكن لم يُصدِّقْهم فلهذا أعاد السؤالَ فلمَّا قالوا هذا الكوخ بيتُ الشيخ ضرب حسين محمد إرشاد أخماسَا في أسداسٍ ودَهِشَ. وعندَما دخل بيتَه قال للشيخ أرسلتُ لك الأموالَ الكثيرةَ وأنت تسكُن في هذا الكوخِ،  في أيِّ مَصْرَفٍ أنفقتَ كل هذا المال.فقال الشيخ له: لم تعطني شيئا من الْمال ولم تُرْسِلْ إليَّ لِبناء بيتي مَبْلغا من الْمال وإنما أعطيتَ ما أعطيته وأرسلتَ ما أرسلته للمَدارس والحركات.”

قال صِهْرُ الشيخ ( رحمه الله )  المفتي سيف الإسلام: “ذهبت رئيسة الوزراء السابقة (يبدو لي أنها بيغم خالدة ضيا ) إلى بيت الشيخ المفتي فضل الحق الأميني رح. لزيارة أهله بعد تلبيته دعوة ربه ثم دهشت وفُوْجِئتْ بما رأتْ من مسكنه المتواضع وأثاث منزله البسيط للغاية.”

 أنفق العالم الجليلُ العلامة الْمفتي فضل الحق الأميني رح. معظمَ أموالِه في سبيل الحركةِ الإسلاميةِ وبالإضافة إلى ذلك باع الأموالَ كلَّها التي وَرِثَها مِن أبيه الغنيِّ الْمكرم من سنة 1989م إلى سنة 2000 لخلق صندوق الحركة الإسلاميةِ ثم باع دارَه الْمُجاورة لِمنزله الأصلي لتمويل الحركة ضد القرار الْمُصادم للفتوى الشرعية الذي أصدرتْه الْمَحكمةُ العليا البنغلاديشيَّةُ سنة 2001م  حتى باع داره الوحيدة التي اشتراها بحوالي عشرة ملايين وبذلَ كلَّها في سبيل الحركة والإضرابِ ضدَّ السياسة الوطنيَّةِ  لتنميةِ الْمرأة والسِياسة الوطنيَّةِ للتعليم حينما شرَّعتْهما الحكومة الطاغيَّةُ الْمُسْتبِدَّةُ الظالِمة عام 2011م . وأنفق أمواله الخاصةَ والنقودَ بعد الإضرابِ لتغطية تكاليف الدعاوي القضائية الكثيرة التي رُفِعَتْ   ضد حوالي خمسِ مئةٍ وخمسة وخمسين طالبا حتى لَفَظَ أنفاسَه الطاهرة. وإلى جانب ذلك حمل  على كاهله ديوناً هائلةً تُقارِبُ عَشَرَةَ ملايين أو أكثرَ لتغطية تكاليف الدعاوي القضائية الراهنة.

إن الشيخ الْمُفتي فضل الحق الأميني رح. عاش في بيتٍ كان أشبه بالكوخ طوال حياته مع كونه سياسيّاً كبيراً وقائداً عظيماً لأنه بَذَلَ الغاليَ والرخيصَ في سبيل الله تعالى إلا أنَّه بَنَى مَبْنىً صغيراً على الْعقار الذي ورثتْها زوجته الْمكرمة الشريفة من والدها الْمكرم أميرِ الشريعةِ العلامة محمد الله الحافظِّي -رحمه الله تعالى- بأموال الدَّيْنِ قبل ست أو سبع سنوات لتلبيته دعوة ربه عندما ألحَّ وأصرَّ عليه الخطيبُ السابق للمسجد الوطني “بيت الْمُكرم” العلامة عبيد الحق رح. وزملاؤه الآخرون في العمل أن يبنيَ هذا الْمبني الصغير.

وكان أصدقاؤه وزملاؤه وتلامذته من داخل البلد وخارجِه يُتْحِفُوْنه بِتُحَفٍ مختلفةٍ دائما ولكن رحمه الله تعالى لم يفكِّر أن يدَّخِرَ شيئا منها، وكان يعطي العطيات العظيمة خفية.

وقال صهر الشيخ العالم المظلوم جسيم الدين – حفظه الله تعالى-  “اكتسب ( الشيخ المرحوم )  الكثيرَ من الأموال خطوة بخطوة في الحياة ولكنه أنفق كل ذلك برحابة الصدر في تَمْوِيْلِ الحركة الإسلامية، كُلَّما يأتيه بعض الأموال من مكان ما كان يقلق ويُفَكِّرُ في كيفية إنفاقها. وكان ينفق كل أمواله في معظ1م الأحيان ويقترض من الآخرين للعيش. كم من إنسان استفادوا منه في الأوقات المحرجة والشدة والبأس وكان ينفق أمواله بطيب النفس للإسلام والمحتاجين ولكنه كان يحمل أعباء الديون على كاهله طوال حياته لتلبية الحوائج  الذاتية والعائلية. واقترض في معظم الوقت لتنظيم البرامج المختلفة للحركة الإسلامية رغم ذلك فقد كان ثابتاً صامداً شامخاً كالجبل في نِضال الثورة الإسلامية بشجاعة وشهامة كبيرتين  في تحقيق المطالب الإيمانية. “

وفي مُعظمِ الوقتِ كان الطلاب الْمساكين والْمُعلِّمون الفقراء للمدارس القومية مصرف عطيته.

أعطاه تلميذٌ له خمسة آلاف تاكا قبل ثلاث ساعات لانتقال الشيخ إلى جوار ربِّه عزَّ وجلَّ ولكنّه رحمه الله تعالى أعطى أحدا ألفينِ مِنْها أيضا. فكانت الآلاف الثلاثة الباقية منها هي الوحيدة التي يملكها عند ما لحق بالرفيق الأعلى.

ولم يترك سِواه حِسابا في الْمَصرف ولا خزانةً في البيت. وفي الحقيقة إنه كان رجلا لا يُنْجِبُ الدهرُ مثلَه. وكان يدهش ويتعجب الجواسيسُ من الداخل والخارج عندما يرون أزْمتَه الْماليَة وقد كان مُديراً ومُتَوَلِّيًا لكثير من الْمدارس القومية. الجديرةُ بالذكر منها: الجامعة القرآنية العربية “لال باغ” داكا، والجامعة الحسينية أشرف العلوم بِـ”بَراكَتَرا” ودار العلوم بـ ِ”ككرائيل” داكا. والجامعة الإسلامية بـ “بيباريا” ومدرسة السنة بـ “داودكندي”  التابعة لِكُملّا وما إلى ذلك. ولكن رحمه الله ولم يأخُذ راتباً من أيِّ مَدرسة برغمِ أزمتِه الاقتصادية إلا ما أخذ من الجامعة القرآنية العربية لال باغ  من الراتب اليسير.

عندما ولِي الشيخ رح. الجامعةَ الحسينية أشراف العلوم بـ “براكترا” سنة 2003 م عَزل جميعَ أعضاءِ لجنةِ الجامعة. الجامعةُ خاليةٌ عن اللجنة والرئيسُ قائد سياسيٌّ ولذا لا تحصُل الجامعة على الصدقات الكثيرة فأصابَ مَطبخَ الجامعة الفَقْرُ والضيقُ والأزمة الْمالية. وهذا الْمُشكلة لا يتغلَّب عليها بسهولةٍ كالْمشاكل الأخرى بل هي مِنْ أصعب الْمَشاكل.

وكان الشيخ الأميني رح. يدعو الناس إلى الله تعالى والإسلامِ والدينِ والإصلاحِ وينصحُهم ويَعِظُهم ويشترِكُ في الْمُؤْتمرات في سائر البلاد فيُتْحِفه الناسُ بِتُحَفٍ ضئيلةٍ، ولكن يتصدق كلَّها على المدرسة ومعَ لم تنتَهِ الأزمة الْمالية فعَقَدَ الشيخُ العزمَ على أن يبيع داره، ولكن لم يستطع أن يفعل هذا عندما طالبه إخوانه وأصدقاؤه وزملاؤه وأساتذةُ الجامعة وتلاميذُها بعدمِ بيعها ولكن باع الفضَّةَ والذهبَ والحِلْيَةَ لأسرتِه فأنفقَها في مَطْبَخِ الجامعة وبالإضافةِ إلى ذلك كان الشيخُ  رح. يقدِّم عشرةَ مئةِ ألفِ تاكا أو خمس عشرة مئة ألف تاكا للمدرسة في كثير من الأحيان.

قال صهر الشيخ رحمه  الله تعالى المفتي سيف الإسلام حفظه الله تعالى  ” كانت قائمة طعامه بسيطة للغاية: قطعة من السمك أو اللحم ونوع واحد من الخضروات والعدس وكانت هذه نفس القائمة لكل عائلته أيضا وكان في العادة يتناول الخضروات والإدام أكثر مما يتناول الرز والخبز. وأثناءَ إقامته في المدرسة كان يُحْضِرُ الطعامَ بنفسه دائماً من المنزل ويتناوله ، وكان يفعل ذلك أيضا عندما يُقِيْمُ في الجامعة الحسينيه  أشرف العلوم ( ببراكتارا). وكان يتَحَفَّظُ على أموال المدرسة ويَتَورّعُ من أن يَصلِ إلى يدِه مال حرامٌ ، وكان يشتري كل أثاث غرفته بماله الخاص حتى كان لم يتناول أيَّ طعام من المدرسة ولكنه إذا فعل ذلك كان يدفع ثمنه بطريقة أو أخرى.”

وكان يتصف الشيخ رحمه الله بأعلى درجة من التقوى والإخلاص والزهد فكان القُوَى الْمُعَادِيَةِ للإسلام من داخل البلاد وخارجها تخاف تقواه وإخلاصه وزهده.

ما أعجبَ شأنَك ضَحَّيْتَ بالنفس والأموال في سبيل الله تعالى، وأَهَنْتَ النَّفْسَ وإنما تريد كَرامتها وأَذْلَلْتَها وإنما تُريدُ إعزازَها وأتْعَبْتَها وإنما تريد راحتَها وخَشَّنْتَ الْمَلْبَسَ وإنما تُريدُ لَيِّنَه وعِشْتَ على الْمَطعمِ البسيطِ وإنما تُريد طيِّبَه

.