بقلم/ زبير أحمد الجاندبوري
من طلاب جامعة الأستاذ شهيد الله فضل الباري رح دكا
بعد انتظار طويل أقبل علينا يوم السرور والفرح والفرج والسعادة. وهو يوم الإجازة بعد الاختبار. فسعد الطلاب كلهم كثيرا بسماع إعلان الإجازة بعد الامتحان. فبعضهم يذهبون إلى بيوتهم فورا. وبعضهم ينتظرون في المدرسة انبثاق الفجر، وطلوع النهار بعد غروب الليل لأن بيوتهم بعيد جدا.
ونحن ثمانية أصدقاء غادرنا مدرستنا المباركة والمحبوبة – التي تحمل اسم جامعة الأستاذ شهيد الله فضل الباري – رحمه الله تعالى- للأستاذ، الأديب الأريب، الشخصية المتميزة، فضيلة الشيخ شفيق الإسلام الإمدادي – حفظه الله تعالى ورعاه، وجعله مركز العلوم الدينية واللغة العربية في العالم كله في هذا العصر- آمين يا رب العالمين-ونحن نستفيد من علومه وأفكاره المنيرة، وغيرته البالغة– متوجهين إلى بندربان في ليلة كثيفة الضباب مع غياب النجوم، وفتح الليل أجنحته. وغمرَ الأرضَ بظلام دامسٍ، لمشاهدة مخلوقات الله الجميلة، وللاعتبار بها كما قال تعالى في القرآن الكريم وفرقانه الحميد :” سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين”.
وكان الركاب في الحافلة كلهم في النوم الشديد وبعضهم قد غط في نومهم. بقيتُ أنا الوحيد بين النوم واليقظة فقط. كنْتُ أرى مناظر راىٔعة من نافذة الحافلة. فرأيت جبالا شاهقة لم أرها قط. حتى وصلنا إلى بندربان مع انبثاق الفجر ومجيء النهار بعد الليل جديدا. ثم نزلنا على الطريق ذاهبين إلى المسجد. والمسجد هناك كانَ بجانبِ مركز الشرطة، وأدينا فيه صلاة الفجر بالجماعة. فرأيت فيه رجلا يعبد الله تعالى في خشوع وتضرع، فأسرني منظره، وهزتني عبادته. فبعد قراءة الأوراد كنا نبحث عن سيارة سريعة نتجول بها طوال النهار في بندربان.
أخيرًا بعد بحث طويل وجدنا سيارة، فاستأجرناها بثلاثة آلاف وسبع مأة تاكا. ثم ركبناها وأخذ كلنا مقعده. والساىٔق بدأ يقود السيارة. فحينىٔذ رأيت بعض الناس يعبدون التمثال في كنيسة، فإذا ذكرت مقالةَ الطفيل بن عمرو الدوسي- رضي الله تعالى عنه- مخاطبا للتمثال: إنه قال: يا ذا الكفين، لست من عبادكا، ميلادنا أقدم من ميلادكا. إني حشوت النار في فؤادكا. فحزنت كثيرا لمشاهدة هذا المنظر لأنهم يعبدون غير الله تعالى الذي لا يقدر على شيء من النفع والضرر. ومن جهة أخرى فالسيارة تجري في قيعان الجبل على وجه السرعة وتصعد إلى الجبال الشاهقة شيىٔا فشيىٔا، فلا ترى العين سوى الغصون، والأفنان، والأوراق، ما زلنا نصعدنا إلى السماء رويدا رويدا بالجبال الشاهقة، كأننا اقتربنا من السماء. فصاح كلنا فرحا ومسرورا عندما رأينا مخلوقات الله الراىٔعة. فغمرتنا السعادة والبهجة وسيارتنا كأنها طاىٔرة في الأرض حتى وصلنا إلى قمة الجبل التي تحمل اسم “نيل غيري” ليس بعده جبل أي انتهى الجبل إلى هنا. فيه مسجد كبير، وجميل، ومطعم راىٔع، فدخلنا إلى الداخل بالتذكرة بمئة تاكا. فتجولنا ورأينا أحسن منظره. وأعجبنا جوه كثيرا.
ففرحنا فرحا لا منتهى له.ونحن لا نملك نفوسنا بالفرحة. هناك قضينا وقتا ممتعا. وصلينا الظهر في مسجده. ثم بعد استراحة قليلة ذهبنا إلى “ديبوتاخوم” وهي نهر جار بين الجبلين من الصخرة. فيها عين جارية، فوصلنا إلى العين بالسفينة المؤلفة من القصب. فقُدْنا السفينة بأنفسنا. والماء لونه أخضر. تحته أحجار كثيرة كبيرة، وصغيرة. أنا لا أعلم كيف أصف منظره الجميل، الراىٔع، أنا أمشي على الحجر، وبعضنا صوّرالمشهد. فقضينا هنا وقتا قليلا. ثم توجهنا إلى الفندق الذي استأجرناه. فنمشي على الماء، والطين. ونمضي إلى غايتنا ترفعنا النجاد وتحطنا الوهاد، وقطعنا الجبل والأرض، وتجولنا في أفانين الأشجار، ولجأنا إلى ظلال الخماىٔل الخضراء قليلا، وصلينا الصلاة على الأعشاب وقد فرشنا المناديل والأزر.
منظر صلاتنا أعجب بعض الناس وهم كانوا يصورون منظر الصلاة ويقول بعضهم لبعض : إن هؤلاء الشباب يعبدون الله تعالى في السفر. ثم بعد الصلاة كنا نتجاوز الطريق إلى غايتنا وكان معنا دليلٌ يدلنا على الطريق في سفرنا إلى ديبوتاخوم وكان نصرانيا، أنا أمشي معه، فرأيت خنزيرا يمشي، فقال لي الدليل: هذا خنزير- أنا أول مرة في حياتي رأيت الخنزير هذا بعينيّ ، فقلت له: هل أنتم تأكلون الخنزير؟ فقال لي مبتسما: نعم، فقلت في نفسي كيف يأكلون الخنزير على الرغم من صورته القبيحة القذرة جدا- فقال لي: إن عاىٔلة هناك قد أسلمت قبل أيام قليلة، وبنت مسجدا متواضعا على قمة الجبل. ثم أخذ بنا إلى هناك مشاةً. فرأينا المسجد المتواضع، و تكلمنا مع إمام ذلك المسجد الذي يدعو النصرانيين إلى الإسلام، ويبذل جهده في دعوتهم إلى الإسلام وإحياء سنة النبي- صلى الله عليه وسلم- في أهل بندربان. وأخبرنا عن وضع الإسلام المأسوي فيها. فتكلمت مع رجل حديث الإسلام. فهذا هو أول مسجد بني على قمة جبل بندربان بين النصرانيين، ولكن الكناىٔس كثيرة فيها. ثم عدنا إلى فندقنا المستأجر، وتناولنا العشاء في المطعم، وبتنا في ذلك الفندق.
من بندربان إلى كوكس بازار
بدأ صباح اليوم التالي بأداء صلاة الفجر بالجماعة، فتجهزنا بعدها للسفر إلى كوكس بازار. ثم بعد تناول الفطور ارتحلنا إليها بالحافلة، فوصلنا إليها صباحا ثم نزلنا من الحافلة، وذهبنا إليها سعيا وسرعة. فشعرت بالفرح والسعادة برؤية شاطىٔ البحر في كوكس بازار وهذا من آيات الله تعالى التي خلقها الله تعالى في الأرض وعجاىٔبه ﷻ. وكثير من الناس يأتون هنا للاستمتاع بجمال شاطىٔ البحر والأمواج. نحن فرحون غاية الفرح ليس من الممكن التعبيرُ عن مدى الفرح في قلوبنا. فنزلنا في البحر للاغتسال. فكنا نغتسل والأمواج تقبل إلينا مرة بعد مرة وتُغْرقنا، والماء مالح جدا لهذا يحتاج كل إنسان بعد الاغتسال فيه إلى الاغتسال في الحمام وغيره من جديدٍ .
هكذا فعل أصدقاؤنا بعد الاغتسال فيه. ثم بعد الوقت الممتع ارتحلنا إلى”سين مارتن”. أولا نحن وصلنا إلى”تكناف” بالحافلة ومن هناك توجهنا إليها بالسفينة الرقمية السريعة. عندما وصلنا إلى وسط البحر–الذي يحمل اسم “نهرناف”- وفي كل جهاتنا ماء، وكنا بين حدود بنغلاديش وبين حدود “بورما” ولا ترى العيون سوى الماء والسفينة تجري على الماء بإذن الله ﷻ، خطرَ ببالي قول الله تعالى: “وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون “وكنت أتدبر وأفكر – كيف تجري السفينة الثقيلة على الماء دون أن تغرق، ما أحسن خلق الله تعالى، وما أحسن الخالق وما أبْدَعَه ! – حتى وصلنا إلى مقصودنا بعد ثلاث ساعات، ونزلنا من السفينة على المؤانىٔ ودخلنا في الداخل واستأجرنا الدراجة لوقت قليل. ثم تجولنا بها فيها ورأينا المناظر الجميلة والراىٔعة. وفي كل أطراف هذه الجزيرة ماء وهي قاىٔمة في وسط الماء محاطةٌ بأشجار “كيا” لايوجد هناك صوت سوى خرير المياه وأصوات الريح. ثم بعد صلاة الظهر عدنا منها إلى تكناف بالسفينة بنفسها ومن هناك إلى بيوتنا بالحافلة.
فأسأل الله تعالى أن يجعلنا من المعتبرين بآيات الله تعالى آمين يا رب العالمين.