تعيش بنغلاديش على وقع توترات سياسية ودينية متصاعدة، إذ يبرز اسم تشينموي كريشنا داس، الزعيم المثير للجدل في منظمة “إيسكون” (ISKCON)، وسط موجة من الاتهامات التي تتهمه بالتحريض على العنف ودعم أجندات سياسية مشبوهة تهدد استقرار البلاد. بينما تسعى الحكومة إلى ضبط الأوضاع الداخلية، تكشف التقارير عن دور مشبوه لهذه الشخصية في توسيع نفوذ المنظمة الهندوسية في مناطق حيوية مثل “شيتاغونغ”، ما يثير القلق بشأن تزايد نفوذ الجماعات الدينية المتطرفة في المنطقة.
تشينموي كريشنا داس: من زعيم ديني إلى شخصية مثيرة للجدل
تعرف بنغلاديش على تشينموي كريشنا داس، الذي وُلد باسم تشاندان كومار داري، كزعيم منشق في منظمة “إيسكون”، حيث أصبح أحد الرموز المثيرة للجدل في السنوات الأخيرة. يواجه داس اتهامات ثقيلة بقيادة شبكة منظمة تهدف إلى استغلال الأقليات الهندوسية في البلاد والتحريض ضد الحكومة بنغالية لتحقيق أجندات سياسية دعمتها جهات خارجية. ويُزعم أنه أسس منظمة “Sammilita Sanatani Jagran Jot” بهدف استقطاب الأقليات الهندوسية وتوجيههم لأغراض تخدم مصالح سياسية ودينية معروفة.
منذ عام 2023، شهدت أنشطة “إيسكون” في بنغلاديش تصاعدًا ملحوظًا، إذ نظمت هذه المنظمة فعاليات حاشدة في مدينة “شيتاغونغ” كانت قد جذبت انتباه وسائل الإعلام الهندية المتطرفة. حيث جرى تصوير هذه الفعاليات وتوزيعها على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام لخلق صورة سلبية عن الحكومة البنغالية والتحريض على العنف.
أنشطة مريبة ودعم داخلي وخارجي
تشير تقارير إلى أن تشينموي كريشنا داس لم يقتصر على تحريض الهندوس في بنغلاديش فحسب، بل امتدت علاقاته إلى جهات سياسية داخلية وخارجية. داخل بنغلاديش، حظي بتأييد شخصيات بارزة في “رابطة عوامي” مثل عزام ناصر الدين وشيبال داس سومان، الذين شاركوا في مسيرات له مرتدين زيًّا موحدًا. كما استفاد داس من دعم صحفيين ومحامين محليين لترويج أفكاره عبر وسائل الإعلام البنغالية.
على الصعيد الخارجي، تشير التحقيقات إلى علاقات وثيقة بين داس ومنظمات هندية متطرفة، خاصة تلك المرتبطة بـ”منظمة “RSS” الهندوسية، مما يعزز المخاوف من وجود تأثيرات خارجية على الوضع الداخلي في بنغلاديش.
“إيسكون” وتوسعها في بنغلاديش
منذ عام 2008، تمكنت “إيسكون” من التوسع في بنغلاديش بشكل كبير، حيث أسست العديد من المعابد الجديدة في منطقة شيتاغونغ، بما في ذلك الاستيلاء على بعض المواقع من معابد قديمة. ويُعتقد أن هذه المعابد تعمل كمنصات لتجنيد وتحفيز الأقليات الهندوسية على دعم قضايا دينية وسياسية تشكل تهديدًا للوحدة الداخلية للبلاد.
تسعى “إيسكون” أيضًا إلى تعزيز نفوذها داخل المؤسسات الحكومية البنغالية، بما في ذلك الشرطة والإدارات المحلية، ما أثار شكوكًا حول تواطؤ بعض المسؤولين في دعم أنشطة المنظمة.
اتهامات جنائية تلقي بظلالها على سمعة تشينموي داس
في تطور لافت، تم توجيه العديد من التهم الجنائية ضد تشينموي كريشنا داس، أبرزها اتهامات باغتصاب أطفال داخل معبد في هاتهازاري، وهي القضية التي أثارت الرأي العام في بنغلاديش في سبتمبر 2023. وفي نوفمبر من نفس العام، قوبل اتهام داس وأعضاء آخرين من “إيسكون” بتورطهم في هجوم بالحمض على أفراد من قوات الشرطة والجيش في شيتاغونغ. كما قوبل خبر اغتيال المحامي سيف الإسلام أليف – الذي قُتل على يد مجموعة يُعتقد أنها مرتبطة بتشينموي – بموجة من الاستنكار، ما جعل الوضع أكثر تعقيدًا.
موقف “إيسكون” واتهامات بالمراوغة
على الرغم من هذه التهم الخطيرة، نفت “إيسكون” علاقتها بتشينموي كريشنا داس، مؤكدة أنه تم طرده من المنظمة في يوليو 2023 بسبب ما وصفته بـ”الانحرافات الأخلاقية”. لكن تقارير أخرى تشير إلى أن داس استمر في تنظيم فعاليات باسم المنظمة حتى بعد ذلك التاريخ، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على التحكم في أنشطتها الداخلية.
التحديات الأمنية والسياسية أمام الحكومة البنغالية
تتزايد التحديات التي تواجه الحكومة البنغالية في التعامل مع نشاطات “إيسكون” وتورطها في أعمال العنف. يشير المحللون إلى ضرورة تكثيف الرقابة على المنظمات ذات العلاقات المشبوهة، لا سيما في ضوء الدعم السياسي الذي تحظى به من بعض الشخصيات البارزة. ومع تصاعد التوترات الطائفية والتدخلات الخارجية، بات من الضروري أن تعمل الحكومة على تعزيز استقرار البلاد، وتحصين مؤسساتها ضد التهديدات التي قد تأتي من داخل أو خارج حدودها.
بينما تواصل السلطات البنغالية التحقيق في الأنشطة المريبة لـ “إيسكون” وقياداتها، تبقى الأسئلة عما يجري في الظلال السياسية والدينية في البلاد بلا إجابة شافية. ما يراه البعض تحديًا أمنيًا داخليًا، يراه آخرون علامة على بداية موجة من التوترات التي قد تكون لها تداعيات بعيدة المدى على استقرار بنغلاديش السياسي والاجتماعي.