في تقرير مثير للقلق، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن تصاعد حالة من الخوف والاضطراب في صفوف الأقلية الهندوسية في بنغلاديش، على خلفية تقارير تتحدث عن تعرضهم لاعتداءات عنيفة وتخريب موجه ضد ممتلكاتهم ومعابدهم. وبالرغم من أن هذه التقارير تدعمها لقطات مصورة تتنقل عبر منصات الإعلام، فإن الصحيفة أكدت أن بعض هذه المشاهد قد تكون مضللة أو مشوهة.
بين الحقيقة والدعاية: فهم مغلوط للوضع
الصحيفة الأمريكية اعترفت بوجود هجمات حقيقية في بعض الحالات، وأشارت إلى أن هذه الاعتداءات جاءت نتيجة لاحتجاجات غوغائية غاضبة، في ظل تداعيات الأزمة السياسية التي أعقبت الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة الصيف الماضي. لكن ما أثار الجدل هو أن العديد من هذه الهجمات قد تكون جزءًا من حملة دعائية مزيفة يروجها أنصار الزعيمة المخلوعة، بهدف الإضرار بسمعة الحكومة الانتقالية في بنغلاديش.
التلفيقات الإعلامية: سلاح ذو حدين
ذكرت الصحيفة أن هذه المعلومات المزيفة قد انتشرت بشكل واسع عبر وسائل الإعلام الهندية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تعززها أجواء سياسية معقدة بين الهند وبنغلاديش. في هذا السياق، يبرز دور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الحليف القوي للشيخة حسينة، الذي يسعى إلى تعزيز نفوذها في بنغلاديش في ضوء التغيرات السياسية التي يشهدها البلد. وهو ما يساهم في تأجيج المخاوف وتصعيد التوترات بين الهندوس في بنغلاديش، الذين يتراوح عددهم بين 8-9% من إجمالي السكان.
الواقع على الأرض: تدهور اقتصادي وأمني
وفي مدينة شيتاغونغ، التي تعد بؤرة التوترات الأخيرة، تحدث “سايد إس. كيه ناث شيمال”، رئيس تحالف بنغلاديش الوطني الهندوسي، عن التدهور الاقتصادي الذي يعصف بمجتمعه، مشيرًا إلى أن “الأعمال التجارية تعاني، والابتسامات أصبحت نادرة”. الصحيفة أكدت أنها زارت عدة مواقع في العاصمة دكا ومدينة شيتاغونغ، حيث تأكد لها وقوع أعمال عنف وتخريب طالت المعابد والمنازل الهندوسية، خاصة بعد اعتقال كاهن هندوسي في نوفمبر الماضي، ومقتل محام مسلم خلال احتجاجات نظمتها جماعات هندوسية.
التهديدات المبالغ فيها: هل هي زائفة أم مبالغ فيها؟
وفي الوقت الذي يشير فيه السكان المحليون إلى خطورة الوضع، أكدت الصحيفة أن هناك تضخيمًا لبعض الأخبار عبر وسائل الإعلام، مما أدى إلى خلق حالة من الارتباك والذعر في صفوف الهندوس. وتتناقل بعض المعلومات المغلوطة التي تربك التقييمات الحقيقية للأخطار التي يواجهها المجتمع الهندوسي في بنغلاديش، حيث يعتقد البعض أن الحملة الإعلامية ضد الحكومة الانتقالية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
الحكومة الانتقالية: سيطرة وهمية أم حماية فعلية؟
الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، التي يقودها محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل، قللت من شأن هذه التهديدات، مؤكدة على قدرتها على السيطرة على الوضع الأمني وحماية الأقليات. وبالرغم من الاعتقالات المتواصلة على خلفية الهجمات العنيفة، فإن المحللين يرون أن الحكومة تسعى إلى تقديم صورة من الاستقرار في وقت تشهد فيه البلاد اضطرابات سياسية واحتجاجات واسعة.
الجانب السياسي للأزمة: كيف تستخدم الهندوسية كأداة سياسية؟
بينما تشتعل الأزمة داخل بنغلاديش، تأتي التحركات السياسية في الهند لتعقّد الوضع، حيث تسعى بعض الجماعات الهندوسية المتطرفة في الهند إلى توظيف هذه التوترات لكسب نفوذ سياسي في الداخل الهندي على حساب المسلمين. وقد نشأت معركة سياسية معقدة تتقاطع فيها المصالح الهندوسية والإسلامية، وسط العنف السياسي الذي خلف مئات القتلى في بنغلاديش، في إطار صراع بين الأنصار السياسيين للشيخة حسينة والمعارضة.
إهانة علم بنغلاديش: نقطة تحول في التوترات
مؤخرًا، انفجرت التوترات في بنغلاديش بعد اعتقال الكاهن الهندوسي تشينموي كريشنا داس، الذي اتهم بإهانة علم بنغلاديش أثناء احتجاجه ضد تعرض الهندوس للاضطهاد. هذا الاعتقال أدى إلى تصعيد الاحتجاجات، حيث تجمّع أنصار الكاهن أمام المحكمة في شاتوغرام، مما أسفر عن اشتباكات عنيفة مع الشرطة ووفاة محام مسلم في ظروف غامضة.
منذ تلك الحادثة، شهدت الأحياء الهندوسية في بنغلاديش أعمال شغب طالت المعابد والمنازل، فيما تم منع محامي الدفاع عن الكاهن من ممارسة مهامهم في المحكمة بسبب الضغوط السياسية. هذه الحوادث تعكس بوضوح حجم التوتر الذي يعيشه المجتمع الهندوسي في ظل الصراعات السياسية والدينية.
هل من حلول حقيقية؟
في النهاية، تبقى الأسئلة الكبرى: هل تستطيع الحكومة الانتقالية في بنغلاديش الحفاظ على استقرار البلاد وحماية الأقليات؟ وهل ستتمكن المجتمعات الهندوسية من استعادة شعورهم بالأمان وسط هذه التوترات المستمرة؟ الأيام القادمة وحدها ستكون كفيلة بالكشف عن الإجابة.
المصدر: نيويورك تايمز