بعد أكثر من مائة يوم على تولي الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، بقيادة البروفيسور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل، تبدو ملامح المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد وكأنها تقف على صفيح ساخن. فرغم النجاح النسبي في تهدئة الأوضاع، تظل التحديات تفرض نفسها بحدة، فيما تتأرجح الطموحات بين آمال الشعب وإرث الفوضى الذي خلفته سنوات حكم الشيخة حسينة.
يونس: بين التحديات والطموحات
الحكومة الجديدة، التي جاءت بعد الإطاحة بنظام حسينة القمعي، تواجه اختبارًا صعبًا لإثبات قدرتها على تلبية تطلعات الملايين. وبينما حققت بعض الإنجازات في إعادة الاستقرار النسبي، إلا أن الانتقادات تتصاعد لافتقارها إلى آلية فعالة لصنع القرار وتنفيذه، مما يجعل طريقها إلى استعادة الديمقراطية محفوفًا بالمخاطر.
ورغم التحسن النسبي في بعض القطاعات، فإن المشهد العام لا يزال يعاني من الاضطراب، مع استمرار ممارسات “العدالة الغوغائية” ضد المشتبه بتعاونهم مع النظام السابق. ومع ذلك، فإن مكانة يونس الأخلاقية تضفي على حكومته طابعًا من المصداقية يمنحها هامشًا من الثقة بين الجماهير.
المشهد السياسي: غياب واضح وحراك جديد
بغياب حزب رابطة عوامي الذي تزعّمته حسينة، بات الحزب القومي البنغلاديشي، بقيادة طارق الرحمن، اللاعب الرئيسي في الساحة السياسية. وبينما تتزايد الدعوات لإجراء انتخابات برلمانية جديدة، تظهر الأحزاب الإسلامية الناشئة كقوى تسعى لملء الفراغ السياسي.
الحزب القومي، الذي يسعى لإجراء انتخابات عاجلة قبل ترسخ نفوذ الإسلاميين، يدرك تمامًا أن استمرار هذا الفراغ قد يعيد الرابطة إلى المشهد، مدعومة بتحالفات محلية ودولية استفادت من حكم حسينة. ويرى الحزب أن الأولوية تكمن في توفير بيئة انتخابية متكافئة بدل الانخراط في إصلاحات واسعة قد تُعطّل المسار الديمقراطي.
علاقة ملتبسة مع الهند
تشكل العلاقة مع الهند عاملًا حاسمًا في السياسة البنغلاديشية، حيث ظلت الهند داعمًا قويًا لحسينة خلال فترة حكمها. ومع ذلك، فإن حكومة يونس والحزب القومي يسعيان لفتح صفحة جديدة مع نيودلهي.
أدرك الحزب القومي أهمية الحفاظ على علاقات ودية مع الجارة العملاقة، فأعلن التزامه بمحاربة الإرهاب والتطرف ومنع استخدام الأراضي البنغلاديشية كقاعدة لأي هجمات على الهند. كما أكد الحزب حرصه على حماية حقوق الأقليات، بما في ذلك الهندوس، وتعزيز قيم التسامح والانسجام الطائفي.
الطريق إلى الديمقراطية: بين الإرث الثقيل والأفق المفتوح
بينما تتجه الأنظار نحو الانتخابات المقبلة، يبقى السؤال قائمًا: هل تستطيع حكومة يونس قيادة البلاد نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي؟ يبدو أن الإجابة تعتمد على قدرتها على موازنة الإصلاحات مع طموحات الشعب، وعلى بناء توافق داخلي يعيد ثقة المواطنين في الديمقراطية.
إن بنغلاديش اليوم تقف أمام مفترق طرق، حيث تلتقي آمال التغيير مع تعقيدات الواقع. فهل ينجح يونس في كتابة فصل جديد في تاريخ البلاد، أم تعود بنغلاديش إلى حلقة مفرغة من الأزمات؟
هذا هو السؤال الذي تحمله الأيام المقبلة.