تنوير الأبصار
شهد العالم ولادة بنغلاديش كدولة مستقلة عام 1971، لكنها لم تُولد إلا بعد بحر من الدماء وحرب تحرير دامية. ظهرت هذه الدولة الحديثة بخريطة تتطابق مع الجزء الأكبر من بنغال التاريخية، الواقعة شرق شبه القارة الهندية. في ذلك الحين، اشتعلت القلوب بالأمل والأحلام بغدٍ مشرق ينعم فيه الشعب بالسلام والسعادة. لكن، سرعان ما ذهبت هذه الأحلام أدراج الرياح.
منذ الاستقلال، لم تخلو خريطة بنغلاديش من دماء الشهداء ودموع المظلومين. كيف يحتفل الشعب بحريته، ومؤسس استقلالهم الشيخ مجيب الرحمن نفسه قُتل غيلة عام 1975؟ ثم جاءت 1981 لتشهد مقتل الرئيس الشهيد ضياء الرحمن، لتُلطخ الخريطة بدمائه مرة أخرى.
توالت المحن على الشعب البنغلاديشي، حيث تولى حسين محمد إرشاد رئاسة البلاد، لكنه جلب معه نظامًا فاشيًا زاد من معاناة الشعب. لم يكن أمام المواطنين خيار سوى الثورة للتخلص من استبداده، وشارك الطلاب والمواطنون في احتجاجات دموية أسفرت عن استقالته، لكن هذه الحرية التي دفع ثمنها غاليًا لم تكن كافية لاستقرار البلاد.
مع كل حكومة جديدة، كان الأمل يتجدد، لكنه سرعان ما يتبدد. فقد أصبحت السياسة في البلاد مركزًا للفساد والرشوة والنفاق، وتحولت الدولة إلى ساحة صراعات يخدم فيها الساسة مصالحهم الخاصة على حساب الشعب. بلغ الغضب ذروته في ثورة 2024، التي وصفت بأنها الأكثر دموية منذ حرب الاستقلال. عشرات الآلاف من الشباب قدموا أرواحهم في سبيل تحقيق العدالة.
اليوم، يعود السؤال إلى الواجهة: هل ستثمر هذه الثورة وتحقق للشعب أحلامه المؤجلة؟ أم أن خريطة بنغلاديش ستظل تتلطخ بالدماء مرة أخرى؟ يبقى الأمل معلقًا بأرواح الشهداء، الذين نسأل الله أن يجعلهم في عليين، وأن ينعم الشعب البنغلاديشي أخيرًا بالسلام الذي طال انتظاره.