قيود التأشيرات الهندية تُشعل أزمة صحية في بنغلاديش

مأساة إنسانية على وقع التوترات السياسية

في ظل تصاعد التوترات السياسية بين الهند وبنغلاديش، يواجه آلاف المرضى البنغلاديشيين أزمة خانقة، بعد أن فرضت السلطات الهندية قيودًا مشددة على إصدار التأشيرات. هذه الأزمة لا تهدد فقط حياة المرضى الذين يعتمدون على العلاج في المستشفيات الهندية، بل تمتد لتضرب عصب صناعة السياحة الطبية الهندية التي كانت تجني مليارات الدولارات سنويًا.

المرضى في مواجهة المجهول

بين هؤلاء المرضى، تقف خديجة خاتون كرمز لمعاناة أُسَر بأكملها، وهي تنظر بألم إلى تدهور حالة زوجها محمد نوري عالم، الذي يحتاج بشكل عاجل إلى زراعة كبد، وهي عملية غير متوفرة في بنغلاديش. بعد أشهر من الانتظار والمحاولات الحثيثة للحصول على تأشيرة للسفر إلى معهد آسيا لأمراض الجهاز الهضمي في حيدر أباد، تجد خديجة نفسها عالقة في دوامة البيروقراطية، بينما يُحرَم زوجها من العلاج الذي قد ينقذ حياته.

تقول خديجة بنبرة يائسة: “لقد استنفدنا كل الخيارات، من التواصل مع وكالات السفر إلى طلب المساعدة من أصدقاء في الحكومة. الهند هي أملنا الوحيد، لكن القيود الحالية تحرمنا حتى من هذا الأمل”. ومع تأخر المواعيد الطبية وإلغاء بعضها، يتسرب الوقت من بين يديها كالرمال.

علاقات تتهاوى على حساب الأرواح

الأزمة الحالية تأتي في أعقاب تصاعد التوترات بين نيودلهي ودكا، خاصة بعد الإطاحة بالشيخة حسينة من الحكم في أغسطس الماضي. حسينة، التي لجأت إلى الهند عقب احتجاجات شعبية ضد حكمها، أصبحت حجر عثرة في العلاقات بين البلدين، إذ تطالب الحكومة البنغلاديشية المؤقتة، برئاسة محمد يونس، بتسليمها. وفي المقابل، تشتكي الهند من تصاعد الهجمات على الأقلية الهندوسية في بنغلاديش، مما يعمق الشقاق السياسي.

هذه التوترات السياسية ألقت بظلالها على المرضى البنغلاديشيين، حيث تقلص عدد التأشيرات اليومية التي تصدرها المراكز الهندية في بنغلاديش من 7,000 إلى 500 فقط. حتى الحالات الطارئة، التي يُفترض أن تكون لها الأولوية، لم تسلم من هذه القيود، ما أدى إلى شلل كامل في حركة المرضى الذين كانوا يعتمدون على المستشفيات الهندية بتكاليفها المعقولة وجودة خدماتها.

أزمة بدائل تفوق القدرة

مع انسداد الأفق أمام العلاج في الهند، بدأ المرضى البنغلاديشيون يبحثون عن بدائل أخرى، مثل تايلاند وماليزيا وسنغافورة وتركيا. لكن التكلفة الباهظة لهذه الوجهات تجعلها خيارًا مستحيلًا لمعظم المرضى. على سبيل المثال، تكلفة زراعة الكبد التي تتراوح بين 1,000 و2,000 دولار في الهند، قد تصل إلى 15,000 دولار في تايلاند. ويقول مازادول نوين، مدير وكالة طبية في بانكوك: “على الرغم من زيادة الاستفسارات من بنغلاديش، إلا أن الغالبية يتراجعون فور معرفة التكاليف العالية”.

صناعة تخسر ومرضى يعانون

التأثير لم يقتصر على المرضى فحسب، بل طال صناعة السياحة الطبية في الهند، التي تعتمد بنسبة 60% على المرضى القادمين من بنغلاديش. منذ أغسطس الماضي، انخفض عدد المرضى البنغلاديشيين بنسبة 80%، ما تسبب في خسائر ضخمة لهذا القطاع الذي بلغت قيمته 9 مليارات دولار عام 2023.

في مدينة كلكتا، التي كانت تستقبل يوميًا مئات المرضى البنغلاديشيين، تبدو المستشفيات شبه خالية. ويقول سوديبتا ميترا، الرئيس التنفيذي لمستشفى بيرلس: “انخفضت زيارات المرضى الخارجيين من بنغلاديش من 150 يوميًا إلى أقل من 30، مع غياب شبه تام لحالات الدخول”.

آمال تتلاشى

رغم زيارة مسؤولين هنود إلى دكا في ديسمبر الماضي، ووعود بزيادة عدد التأشيرات، لم يطرأ أي تحسن يُذكر حتى الآن. وتبقى العائلات البنغلاديشية، مثل عائلة خديجة، عالقة في انتظار قاتل، بينما تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تدهور طويل الأمد في العلاقات بين الشعبين.

وتختم خديجة حديثها بنبرة مفعمة بالألم: “أشعر كأننا نعيش في سباق مع الزمن، ولكن بدون نهاية واضحة. كل يوم يمر، أشعر وكأننا نخسر معركة جديدة ضد المرض وضد البيروقراطية”.

تحذير من عواقب أعمق

يحذر خبراء من أن استمرار هذه الأزمة قد يترك تأثيرات طويلة الأمد على العلاقات بين البلدين. يقول سنجديندو باتاشاريا، الصحفي المستقل المتخصص في شؤون جنوب آسيا: “التوترات الحالية قد تؤدي إلى خلق فجوة دائمة في العلاقة بين الشعبين، إذا لم يتم احتواء الأزمة بسرعة”.

في النهاية، يبقى السؤال: هل يمكن للهند وبنغلاديش تجاوز خلافاتهما السياسية، أم أن المرضى سيظلون الضحية الأولى لهذه التوترات؟