الدستور البنغلاديشي: جدل مستمر حول “الإسلام كدين للدولة” وتوصيات لجنة الإصلاح

علي رياض يوضح موقف لجنة الإصلاح من العلمانية ودين الدولة في سياق التحولات السياسية والدستورية في بنغلاديش

في خطوة حاسمة، أثارت لجنة إصلاح الدستور البنغلاديشي نقاشا هاما بعد أن قدمت تقريرها في يناير 2024، متضمنًا توصيات تغييرات جوهرية في العلاقة بين الدولة والدين. وفي ظل التأثيرات المتواصلة للاحتجاجات الطلابية والشعبية التي أسفرت عن سقوط حكومة الشيخة حسينة، شكلت الحكومة الانتقالية لجانًا إصلاحية من بينها “لجنة إصلاح الدستور” التي عملت على مراجعة المبادئ الأساسية للدستور. وقد أفضت جهود هذه اللجنة إلى اقتراحات تاريخية تضمنت تعديل علاقات الدولة بالدين، بما في ذلك حذف “العلمانية” من المبادئ الأساسية، مع الحفاظ على وضع الإسلام كدين للدولة.

وفي حديثه مع وسائل إعلام اليابانية، تطرق الدكتور علي رياض، رئيس لجنة إصلاح الدستور، إلى موضوع تعديل الدستور وتوضيح العلاقة المعقدة بين الدولة والدين في بنغلاديش. حيث أشار إلى أن العلمانية، التي تبنتها حكومة شيخة حسينة في السابق، كانت مقتصرة على التسامح مع التنوع الديني في المجتمع، بينما جاءت التوصية التي قدمتها اللجنة لتعكس رؤية أوسع بكثير، تشمل التعددية في كافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية.

توصيات اللجنة: الحفاظ على الإسلام كدين للدولة في سياق دستوري أكثر مرونة
الدكتور رياز شدد على أن تعديل الدستور لا يعني إزالة الدين من المعادلة السياسية، بل إن تقرير اللجنة أتى ليؤكد على إبقاء الإسلام كدين رسمي للدولة، تمامًا كما كان الحال في تعديل 1988. وفي حين تم حذف “العلمانية” من قائمة المبادئ الأساسية، بقيت المادة المتعلقة بالإسلام في مكانها، ليظل الدين جزءًا لا يتجزأ من هوية الدولة. وأضاف رياز أن هذا التعديل يأتي في وقت حساس سياسيًا، حيث شهدت بنغلاديش العديد من التعديلات الدستورية التي لم تتعرض لتلك المادة على مدى السنوات الماضية.

وقد استعرض رياز في حديثه للمجلة، من خلال مراجعة دساتير أكثر من 120 دولة، وجود الإسلام كدين للدولة في 19 دولة أخرى، فضلاً عن ذكر “الإيمان بالله” في دساتير 75 دولة، الأمر الذي يعكس انتهاج عدد من الدول لنظام يشمل الاعتراف بدين رسمي دون أن يكون له تأثير حاسم على الحياة السياسية.

الإسلام كدين للدولة: تأييد شعبي وتوافق سياسي
تحت إشراف اللجنة، تم جمع أكثر من 50 ألف رأي من مختلف الفئات الاجتماعية في بنغلاديش، حيث أيد الغالبية العظمى من المواطنين إبقاء الإسلام كدين للدولة في الدستور. وأكد رياز أن استشارة الجمهور شملت قطاعات واسعة من المجتمع، بما في ذلك رجال الدين والسياسيين، الذين قدموا دعمًا قويًا لاستمرار هذا التوجه.

وأشار إلى أنه بالرغم من التوصيات العالمية حول ضرورة فصل الدين عن الدولة، إلا أن تجربة بنغلاديش الخاصة تميزت بخصوصية دينية واجتماعية تقتضي عدم التعارض بين الدولة والدين، وهو ما يظهر في الممارسة اليومية للدولة. في هذا السياق، تحدث عن أهمية الحفاظ على الدين كرمز هوياتي، مع تأكيده أن تأثير الدين على الدولة يظل في حدود الرمزية في كثير من الأحيان، بما في ذلك الأديان الرسمية في العديد من الدول الغربية.

النظام الديني والسياسي في بنغلاديش: شواهد مقارنة من العالم
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة والدين في الدول الأخرى، أشار رياز إلى دراسة أجراها مركز “بيو ريسيرش” الأمريكي، التي أوضحت أن أكثر من 80 دولة تدعم دينًا معينًا رسميًا، في حين تبنت 22% من دول العالم نظام “الدين الرسمي” وفقًا لدستورها، وهو ما يجعل بنغلاديش ليست حالة استثنائية في هذا السياق. كما أضاف رياز أن الدول التي تحتوي على دين رسمي، مثل المملكة المتحدة وإيران، يظهر فيهما الدين في سياقات سياسية وقانونية مختلفة تمامًا، مما يوضح مرونة العلاقة بين الدين والدولة وفقًا للظروف الثقافية والسياسية.

التعديلات المستقبلية: الحفاظ على الاستقرار دون المساس بالهوية الدينية
وفي ختام حديثه، أكد رياز أن التعديل الجديد في الدستور لا يتعارض مع مبادئ الديمقراطية أو حقوق الإنسان، بل يهدف إلى تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي في بنغلاديش. وقال إن الحفاظ على العلاقة بين الدولة والدين كما هي في الدستور المعدل لن يتسبب في أي صراع قانوني أو سياسي طالما أن الدين لا يتدخل في النظام القانوني أو يتحدى المؤسسات السياسية.

وبذلك، تبقى بنغلاديش في مفترق طرق، حيث تجمع بين التقاليد الدينية الراسخة وضرورات التغيير السياسي، مما يجعل النقاش حول “الدين والدولة” في هذا البلد أمرًا بالغ الأهمية في مرحلة الإصلاحات الدستورية الحالية.