بنغلاديش تعزز علاقاتها مع الصين وباكستان وسط تزايد المخاوف من تراجع نفوذ الهند في المنطقة

تعميق التعاون العسكري والاقتصادي مع بكين، وزيارة رفيعة المستوى إلى باكستان تثير القلق في دلهي

تسعى بنغلاديش في الآونة الأخيرة إلى تعزيز روابطها مع الصين وباكستان، مما يثير مخاوف كبيرة حول التأثير المحتمل على نفوذ الهند في العاصمة دكا ومنطقة جنوب آسيا بشكل عام. هذه التطورات تزامنت مع تطور ملف العلاقات الثنائية بين بنغلاديش والهند، حيث شهدت السنوات الأخيرة تأخيرًا في الاتصالات بين الجارتين اللتين كانت تجمعهما شراكة وثيقة في السابق، وذلك في ظل حكم رئيسة الوزراء السابقة، الشيخة حسينة.

العام الماضي، وخلال فترة الانتفاضة الطلابية في بنغلاديش، فرت الشيخة حسينة من البلاد، بينما استضافت الصين الحائزة على جائزة نوبل للطب، وأجرت العديد من المناقشات مع الحكومة المؤقتة في بنغلاديش بقيادة محمد يونس. ومن جانبه، يشير المحللون إلى أن هذه الفترة قد شهدت تدهورًا في العلاقات بين الهند وبنغلاديش، كان أبرز مظاهره منح اللجوء السياسي لحسينة، والصمت تجاه طلبات دكا لتسليمها، فضلاً عن التقارير التي تحدثت عن تزايد العنف ضد الهندوس في بنغلاديش.

وفي حديثه عن هذه التحولات، قال تشيتيج باجباي، الزميل البارز في برنامج آسيا والمحيط الهادئ في تشاتام هاوس بلندن، إن “الحكومة المؤقتة في بنغلاديش تعمل على إقامة علاقات أكثر متانة مع الدول التي كانت تاريخيًا تشهد علاقات متوترة معها، مثل الصين وباكستان، وهو ما زاد من عمق الشكوك المتبادلة”.

في خطوة ذات دلالة، عقد مستشار الشؤون الخارجية في بنغلاديش، محمد د. توحيد حسين، لقاءً مع نظيره الصيني وانغ يي في بكين الشهر الماضي. عقب اللقاء، أكد حسين أن الصين تدعم بنغلاديش في الحفاظ على استقلالها الوطني وسيادتها، وتلتزم بمواصلة تقديم المساعدات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بما يتماشى مع ظروفها المحلية.

وعلى صعيد التعاون الاقتصادي، يشير راكشيت سيثي، محلل أبحاث مختص في الشؤون الصينية في مؤسسة تاكسيلا البحثية، إلى أن الحكومة المؤقتة بقيادة يونس قد بذلت جهودًا متواصلة لتعميق العلاقات مع بكين، بما في ذلك اقتراح نقل مصانع الألواح الشمسية الصينية إلى بنغلاديش، مما يعزز صادرات البلاد الصديقة للبيئة.

تعتبر الصين الشريك التجاري الأكبر لبنغلاديش، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين في عام 2023 حوالي 168.4 مليار يوان (23.6 مليار دولار أمريكي)، وكان معظمها صادرات صينية إلى بنغلاديش. علاوة على ذلك، ازدادت العلاقات الدفاعية بين البلدين في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت بنغلاديش ثاني أكبر مستورد للأسلحة من الصين بعد باكستان، وذكرت تقارير إعلامية أن بنغلاديش تدرس شراء طائرات مقاتلة صينية من طراز J-10C لتطوير قواتها الجوية.

وأضاف سيثي في تصريحاته لبرنامج “هذا الأسبوع في آسيا” أن التعاون العسكري المتنامي بين بنغلاديش والصين “قد يغير المعادلات الأمنية بالنسبة للهند”، خاصة على الحدود الشرقية.

في السياق نفسه، شهدت العلاقات بين الهند وبنغلاديش تصاعدًا في التوترات، حيث قامت قوات الأمن الهندية بوقف أعمال بناء على الحدود من قبل حرس الحدود البنغلاديشي، متهمة إياهم بـ”انتهاك الاتفاقات”. كما أثارت زيارة رفيعة المستوى قام بها العميد كامرول حسن، وهو ضابط كبير في القوات المسلحة البنغلاديشية، إلى باكستان، مخاوف في دلهي، خصوصًا بعد اجتماع مع وزير الدفاع الباكستاني وكبار المسؤولين العسكريين، إضافة إلى زيارة وفد عسكري باكستاني إلى مناطق “حساسة” على الحدود بين الهند وبنغلاديش.

وفي تصريحاته الأخيرة، أشار تشيتيج باجباي إلى أن حسينة كانت لا تتردد في تعزيز العلاقات مع دكا وإسلام آباد على خلفية “العلاقات العدائية” مع دلهي أثناء فترة حكمها، حيث يظهر ذلك جليًا في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البنغلاديشية مؤخرًا، مثل تخفيف قواعد التأشيرات للمواطنين الباكستانيين في دكا، وكذلك الرسو الأخير لسفينة محملة بالبضائع الباكستانية في ميناء بنغلاديشي.

الخبراء يشيرون إلى أن تراجع النفوذ الهندي في بنغلاديش قد يكون له تبعات جيوسياسية كبيرة في منطقة جنوب آسيا، حيث من المرجح أن يؤثر هذا التحول في العلاقات على ديناميكيات السياسة الإقليمية بشكل أوسع.