حزب سياسي في بنغلاديش يثير قلق المعارضة

حزب جديد يشكل مشهدًا سياسيًا متجددًا وسط تطلعات للإصلاح والتغيير

تشهد الساحة السياسية في بنغلاديش حراكًا غير مسبوق مع ظهور حزب سياسي جديد، يقوده طلاب كانوا في طليعة الاحتجاجات التي أطاحت بحكم رابطة عوامي بقيادة الشيخة حسينة واجد. ومع أن الحزب لم يُعلن عن اسمه رسميًا بعد، إلا أن توسعه السريع بات يثير قلق الحزب الوطني البنغلاديشي، المنافس التقليدي للرابطة، حيث تمكن حتى الآن من إنشاء 200 فرع في مختلف أنحاء البلاد، مع توقعات بزيادة هذا العدد إلى 400 قبل إعلانه رسميًا في فبراير/شباط المقبل.

تنامي النفوذ وسط أزمة انتخابية

يتزامن ظهور هذا الحزب مع مطالبات الحزب الوطني البنغلاديشي بإجراء انتخابات برلمانية قبل أغسطس/آب القادم، وهو الموعد الذي سيكمل فيه عامٌ على الإطاحة بالشيخة حسينة. إلا أن التأخر في تحديد موعد الانتخابات أثار تكهنات حول نوايا الحكومة المؤقتة، وسط اتهامات بأنها تمنح الأحزاب الجديدة وقتًا إضافيًا لترتيب صفوفها.

بعد الإطاحة بحسينة في الخامس من أغسطس/آب 2024، فرت رئيسة الوزراء السابقة إلى الهند، التي كانت داعمًا رئيسيًا لحكمها منذ 2009. وفي أعقاب ذلك، تشكلت حكومة مؤقتة برئاسة الاقتصادي محمد يونس، ضمت عدة مستشارين للإشراف على إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

اتهامات متبادلة بشأن الحزب الوليد

في هذا السياق، صرّح سيد عمران صالح، الأمين العام المشترك للحزب الوطني البنغلاديشي، لموقع الجزيرة نت بأن هناك قناعة متزايدة بين الأوساط السياسية بأن بعض مستشاري الحكومة المؤقتة هم المحرك الخفي وراء تأسيس الحزب الجديد. ومع ذلك، أكد صالح أن حزبه يرحب بالتعددية السياسية، لكنه شدد على أن دعم الحكومة المؤقتة لهذا الكيان الوليد قد يهدد حياديتها المفترضة.

من جهته، ردَّ أختر حسين، الزعيم الطلابي والأمين العام للجنة المواطنين الوطنية، وهي المجموعة التي تعمل على تشكيل الحزب الجديد، بالقول: “إذا كان هناك أي مستشار حكومي يرغب في الانضمام إلينا، فعليه أولًا أن يستقيل من منصبه”، مؤكدًا استقلالية حزبه الجديد عن أي دعم رسمي.

الانتخابات بين الضرورة والتأجيل

ويشير مراقبون إلى أن الحزب الوطني البنغلاديشي يتخوف من أن يكون تأخير الانتخابات جزءًا من خطة تهدف إلى تمكين الحزب الوليد من ترسيخ أقدامه سياسيًا. حيث يطالب الحزب المعارض بإجراء الانتخابات وفق جدول زمني واضح، مشددًا على أن الإصلاحات التي تتذرع بها الحكومة المؤقتة يمكن أن تُنفذ لاحقًا بواسطة حكومة منتخبة.

إلا أن حسين، الزعيم الطلابي، يرفض هذه الفكرة، معتبرًا أن الأولوية الحقيقية تكمن في إحداث تغييرات جوهرية قبل أي انتخابات. وقال في تصريحه: “الحكومة المؤقتة ليست مجرد كيان انتقالي، بل لديها مسؤولية حقيقية في إصلاح القطاعات الحيوية التي كانت تحت سيطرة الحكومات السابقة”، مشددًا على ضرورة منحها الوقت الكافي لإنجاز الإصلاحات المطلوبة قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع.

الإصلاحات على طاولة النقاش

في ظل هذا الجدل، يبرز موقف حزب الجماعة الإسلامية، الذي كان حليفًا للحزب الوطني البنغلاديشي في الماضي. حيث صرّح مطيع الرحمن أكندا، المتحدث باسم الجماعة الإسلامية، لموقع الجزيرة نت، أن الأزمة الراهنة تعود إلى أكثر من 15 عامًا، عندما قامت حكومة الشيخة حسينة بتعيين موالين لها في القضاء والهيئات الانتخابية والمؤسسات الوطنية. وأشار إلى أن الحكومة المؤقتة الحالية تعمل على تفكيك هذه الشبكات وإصلاح المؤسسات، ما يجعلها غير مسؤولة عن تأخير الانتخابات.

وفي خطوة تحمل دلالات سياسية لافتة، التقى هذا الأسبوع زعيم الجماعة الإسلامية، شفيق الرحمن، بنظيره في جماعة أندولان بنغلاديش الإسلامية، سيد محمد رضا كريم، في إشارة إلى تقارب محتمل بين الأحزاب الإسلامية استعدادًا للمرحلة المقبلة. وأكد أكندا أن الأولوية القصوى لحزب الجماعة الإسلامية تتمثل في الحفاظ على الوحدة الوطنية والعمل مع مختلف القوى السياسية لتحقيق الاستقرار.

صعود خطاب الهوية وسط التحولات السياسية

من جانبه، أشار أختر حسين إلى أن الحزب الجديد لن يكون مجرد لاعب سياسي تقليدي، بل سيحمل توجهات خاصة تتعلق بالدفاع عن الهوية الدينية والثقافية في البلاد. وأضاف: “في ظل شعار العلمانية، تعرضت الرموز الإسلامية لهجوم ممنهج في بنغلاديش، سواء فيما يتعلق بالحجاب أو اللحية الطويلة. سنقف ضد هذه الإسلاموفوبيا، لكننا في الوقت نفسه سنعارض أي شكل من أشكال التطرف، سواء كان هندوسيًا أو إسلاميًا”.

مع تصاعد الجدل حول هذا الحزب الوليد، يبقى السؤال المطروح: هل سيشكل تهديدًا حقيقيًا للتوازن السياسي في بنغلاديش، أم أنه مجرد فقاعة سياسية ستذوب مع اقتراب موعد الانتخابات؟ الأكيد أن المشهد السياسي في البلاد مقبل على تغييرات عميقة، قد تعيد رسم خريطة القوى الحزبية في المرحلة القادمة.