فرائس القسوة

توحيد حبيب

يقولون : "أطفال اليوم رجال الغد"، ورأس ما يتحلّى به الرجل في الحياة الدِّين، و لكنّ طريقها خشِن، مَنيع، ذو شوكة، في كل منعطف له تترصّد له الآفات كالمنايا، و في كل إقدام له فيها خوف من الزلل، فمن تربّى منذ نُعومة أظفاره تربّيًا دينيًّا، و نشأ في عبادة الله قبل أن تُكلَّفه أوامرُ الشريعة، يُرجَ - دون أدنى شكّ - أنه لنْ يُغويه عن دينه أحد، و يظَلّ عبدا منيبا ممتثلا للأوامر مجتنبا عن النواهي، و يُصْبِح رجلًا مثاليًّا في كلّ مجال، و ما إلى ذلك من الأمور التي عدّها الإسلام أُسس النجاح والنجاة. و كلّ ذلك بتحريض الأكابر إيّاهم عليه، فإن أحسنوا تربيتهم، و حثّوهم على المعروفات، و منعوهم من المنكرات من صِباهم، نشؤوا نشْأةً دينيةً كما سبق، و بالعكس إن كانوا غير معنيّين بما مضى، بل ينفّروهم من العبادات و نحوها، بحيث يطردونهم من المساجد آخذين أعناقهم، زاجرين إيّاهم، قائلين : بُعْدًا للشَّياطين! فلا غروَ إن يبتعدوا بذلك عن الدين، و يكرهوه من صميم قلوبهم وأحشاء أفئدتهم.

كان الوقت رمضانَ، قد حلّ و ما فات من أيامه المباركة إلا طفيف، و الناس في فرَح وسرور، قد عاد إلى أعراقهم النشاطات النُسُكِيُّة من جديد، فيحضرون العبادات و الخيرات برغْبة و نشاط، حتى الأطفال و الصبيان يساهمون فيها، و لم يتخلفوا عنها. و يكادون أن يجاوروهم : يصومون في نصَب و مخمصة، و يُشاهَدون في المساجد ليلًا و نهارًا يقيمون الصلاة، كأنْ لا يُتعبهم شيء مَّا. و بما أنهم خُلقوا على خِفّةٍ و تقلّبٍ، قاصرين عن إدراك ما تقتضيه الحال، فلا داعيَ للاستغراب إنْ يُثيروا ضجّةً في المساجد، و يتردّدوا في داخلها من هُنا إلى هُناك، و نحوَه من شيطنة الأطفال.

كنت ذلك اليومَ حاضرا في صلاة التراويح في مسجد لدينا في حارَتنا، و حضر نفَر جمّ من الأطفال و الصبيان، و بعد بُرهةٍ ابتدأت الصلاة، ثم مضى عليها ما مضى من الزمن، حتى لقُوا من طول القيام نصَبا، فبدأ بعضهم يتحادثون، و الآخرون في الداخل يتقلّبون، حتى شوّشوا على المصلين إبّان صلاتهم، و بعد قضاء الصلاة بادَرَ إليهم بعضهم، فلم يلبَث الأطفال و الصبيان أن نُهروا، و زُجروا، و أُخرجوا منه فورًا مدفوعةً أعناقهم، و لم يَلتفت أحد منهم إلى سنّهم !! فَضْلًا عن شؤونهم !! لا أدري حتى الآن هل كان ينقص من حظوظهم عند الله شيء إن أحسنوا إليهم، و أعثروهم على آداب المساجد سماحةً و رخصةً؟؟ كأنّ هؤلاء لم تمض عليهم أيام الطفولة، بل خُلقوا و هم كبيرون، و لم يشيطن أحد منهم من قبل، فيشتعلوا غضبا كلّما يقابلون مثل هذه الأعمال.

و هكذا تَشهد أكثر مساجد البلاد، و لا يبرح الأطفال والصبيان فرائس القسوة فيها دون الترحّم و الشفقة. و لو يجري الأمر مثلما سلفَ فلا نقدّم للأجيال القادمة إلا رجالا قد غرسنا في قلوبهم التولّي عن الدين - العياذ بالله -، فلا سبيلَ لنا غيرُ دفع هذه التيّارات، و تقاصرٍ عن الاعتداءات. و اللهُ هو الموفّق والمُعين.......

٩.نيسان (أبريل).٢٠١٩م

الثلاثاء

١٠.٤٠ ليلا

اترك تعليقاً