أثر الصحبة

من مجلة النادي الأدبي العربي التي يقوم بإصدارها أعضاء قسم اللغة العربية بجامعة إبراهيم على غرة كل أسبوعين

بقلم محمد ياسين

مما لا يتطرق إليه أدنى شك في أن للصحبة أثرا كبيرا في تكوين شخصية المرأ و أخلاقه و أعماله و سلوكه و أفكاره، فالصحبة كتراث قيم أساسي بل شأنه أهم من ذلك، فلا اللسان يستطيع أن يصفه و لا القلم أن يرسمه...

إن الصحبة تؤدي المرأ إلى قمة الفلاح بأيسر الطرق، فإن المرأ يحاكي شيخه و العبد يحتذي سيده في العادات والأخلاق و الأذواق و الفكر دون أن يشعر بشقة و سآمة وكلالة كما يتبلور لدينا إذ نطيل مقلاتنا إلى حيات الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. فإنهم قبل اعتناق الإسلام و الانضواء تحت لواء النبي عليه السلام و الظفر بصحبة مفخرة الوجود كانوا في عَمَهٍ و كَمَهٍ ويعيشون تحت ظلام الكفر و الشرك و الغطرسة و الأنانية و العداوة و الأحقاد، فلما انبثق نور الإسلام في بقعة أم القرى انقشعت حنادس الظلماء التي سادت العرب بقبائلها و عشائرها، وغمرت قريشا بزعمائها و آحادها، و سيطرت على قلوب الناس في بلادها وأريافها، وأشرقت الأرض بنور ربها فتحولت تلك الحياة التي كانت تُصطلى بنار عشق الأوثان و الأحجار و نار العداوة و الشحناء فيما بينهم في الحروب الضروس و المعارك الطحون إلى حياة هادئة نقية طاهرة، كأن الدنيا لهم فردوس من فراديس الرجاء و الأفراح و الراحة، فلو لم تكن الصحبة ترزقهم لما نالوا ... و لذا سموهم "بالصحابة" فالإسم يدل على مسماه و أسراره.

و قد زالت بينهم الأحقار و الغضائن، وفروق الأجناس و الألوان والأوضاع والأحوال و اختلاف المذاهب والمسالك، فصاروا أمة مثالية نموذجية، و قد رفع الله تعالى ذكرهم في الخافقين، و أعلى قدرهم بين الثقلين حيث قال في شأنهم: "رضي الله عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشي ربه" (الآيات 8 من سورة البينة ) و ما نالوا هذا المقام السامي إلا بصحبة نبي الله صلواته عليه وسلم، ففي هذا الصدد شواهد كثيرة منها : ذات يوم جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك (رح)

و سأله أمعاوية أفضل عند الله أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال عبد الله بن المبارك: لتراب منخري معاوية رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم خير و أفضل من عمر بن عبد العزيز رحمه الله .... ونحن نعلم علم اليقين أن معاوية ما اكتسب هذا المقام إلا بأن حالفه الحظ لاختيار صحبة نبي الله صلى الله عليه و سلم. فمن الحقيقة المؤلمة جدا أننانعيش اليوم بين فتن كثيرة بعضها فوق بعض، فقي الوقت نفسه علينا أن نختار صحبة العلماء الربانيين لإصلاح حالنا

و لتزكية أنفسنا لأن المسلمين لا يمكن لهم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتسم أفاضلهم في عصرهم بإسم علَم سوي الصحبة و يصلون إلى ذروة المجد و الشرف و غاية الإحسان و الاستكمال بدونها، إذ لا فضيلة فوقها، وعلى الرغم من أن كل ذلك لا نبالي بها و هذا شقاوة لنا كل الشقاوة.

فبالجملة علينا أن نقضي حياتنا باختيار صحبة العلماء و الصلحاء، و هم أحق بهذا. أولا لأن الله تعالى قال : "إنما يخشى الله من عباده العلماء". و ثانيا : لأن نبينا خاتم الأنبياء لا نبي بعده وهم ورثة الأنبياء و خيار هذه الأمة حث الإسلام على مجالسة الصالح و حذر مصاحبة جليس السوء كما روي في الحديث "مثل الجليس الصالح و السوء كحامل المسك و نافخ الكير فحامل المسك إما ان يحذيك و إما أن تبتاع منه و إما ان تجد منه ريحا طيبا. و نافخ الكير إما ان يخر ثيابك. و إما أن تجد منه ريحا منتنه"(متفق عليه)

فمن أراد أن ينتفع بالصحبة فليركز عنايته نحو الأمور التالية :

الأول : أن يتخلى من رذائل الأخلاق كالكذب و الخيانة و الغدر و خلف الوعد و الحقد و الكبر و النميمة والشتم و ما إلي ذلك، و أن يتحلى بمحاسن الأخلاق كالصدق و الأمانة و العفة و السخاء و التواضع و الرفق و غيرها.

الثاني : أسن يكون متدينا بأن يكون محافظا على شرائع الأحكام مجافيا جنبه عن المعاصي و الأثام.

الثالث : أن يعتني بخدمة من يعيش في كففه لينهل من معينه و شمائله، فمن أراد المزيد فليراجع الكتاب الحافل " قصد السبيل" لحكيم الأمة التهانوي رحمه الله فان هذا قد احتوى دفتيه على الكثير مما نحن بصدده.

اللهم وفقنا لما تحب و ترضى عدد ما تحب و ترضى أمين.

اترك تعليقاً