بقلم محمد ياسين
مما لا يتطرق إليه أدنى شك في أن للصحبة أثرا كبيرا في تكوين شخصية المرأ و أخلاقه و أعماله و سلوكه و أفكاره، فالصحبة كتراث قيم أساسي بل شأنه أهم من ذلك، فلا اللسان يستطيع أن يصفه و لا القلم أن يرسمه...
إن الصحبة تؤدي المرأ إلى قمة الفلاح بأيسر الطرق، فإن المرأ يحاكي شيخه و العبد يحتذي سيده في العادات والأخلاق و الأذواق و الفكر دون أن يشعر بشقة و سآمة وكلالة كما يتبلور لدينا إذ نطيل مقلاتنا إلى حيات الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. فإنهم قبل اعتناق الإسلام و الانضواء تحت لواء النبي عليه السلام و الظفر بصحبة مفخرة الوجود كانوا في عَمَهٍ و كَمَهٍ ويعيشون تحت ظلام الكفر و الشرك و الغطرسة و الأنانية و العداوة و الأحقاد، فلما انبثق نور الإسلام في بقعة أم القرى انقشعت حنادس الظلماء التي سادت العرب بقبائلها و عشائرها، وغمرت قريشا بزعمائها و آحادها، و سيطرت على قلوب الناس في بلادها وأريافها، وأشرقت الأرض بنور ربها فتحولت تلك الحياة التي كانت تُصطلى بنار عشق الأوثان و الأحجار و نار العداوة و الشحناء فيما بينهم في الحروب الضروس و المعارك الطحون إلى حياة هادئة نقية طاهرة، كأن الدنيا لهم فردوس من فراديس الرجاء و الأفراح و الراحة، فلو لم تكن الصحبة ترزقهم لما نالوا ... و لذا سموهم "بالصحابة" فالإسم يدل على مسماه و أسراره.
و قد زالت بينهم الأحقار و الغضائن، وفروق الأجناس و الألوان والأوضاع والأحوال و اختلاف المذاهب والمسالك، فصاروا أمة مثالية نموذجية، و قد رفع الله تعالى ذكرهم في الخافقين، و أعلى قدرهم بين الثقلين حيث قال في شأنهم: "رضي الله عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشي ربه" (الآيات 8 من سورة البينة ) و ما نالوا هذا المقام السامي إلا بصحبة نبي الله صلواته عليه وسلم، ففي هذا الصدد شواهد كثيرة منها : ذات يوم جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك (رح)
و سأله أمعاوية أفضل عند الله أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال عبد الله بن المبارك: لتراب منخري معاوية رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم خير و أفضل من عمر بن عبد العزيز رحمه الله .... ونحن نعلم علم اليقين أن معاوية ما اكتسب هذا المقام إلا بأن حالفه الحظ لاختيار صحبة نبي الله صلى الله عليه و سلم. فمن الحقيقة المؤلمة جدا أننانعيش اليوم بين فتن كثيرة بعضها فوق بعض، فقي الوقت نفسه علينا أن نختار صحبة العلماء الربانيين لإصلاح حالنا
و لتزكية أنفسنا لأن المسلمين لا يمكن لهم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتسم أفاضلهم في عصرهم بإسم علَم سوي الصحبة و يصلون إلى ذروة المجد و الشرف و غاية الإحسان و الاستكمال بدونها، إذ لا فضيلة فوقها، وعلى الرغم من أن كل ذلك لا نبالي بها و هذا شقاوة لنا كل الشقاوة.
فبالجملة علينا أن نقضي حياتنا باختيار صحبة العلماء و الصلحاء، و هم أحق بهذا. أولا لأن الله تعالى قال : "إنما يخشى الله من عباده العلماء". و ثانيا : لأن نبينا خاتم الأنبياء لا نبي بعده وهم ورثة الأنبياء و خيار هذه الأمة حث الإسلام على مجالسة الصالح و حذر مصاحبة جليس السوء كما روي في الحديث "مثل الجليس الصالح و السوء كحامل المسك و نافخ الكير فحامل المسك إما ان يحذيك و إما أن تبتاع منه و إما ان تجد منه ريحا طيبا. و نافخ الكير إما ان يخر ثيابك. و إما أن تجد منه ريحا منتنه"(متفق عليه)
فمن أراد أن ينتفع بالصحبة فليركز عنايته نحو الأمور التالية :
الأول : أن يتخلى من رذائل الأخلاق كالكذب و الخيانة و الغدر و خلف الوعد و الحقد و الكبر و النميمة والشتم و ما إلي ذلك، و أن يتحلى بمحاسن الأخلاق كالصدق و الأمانة و العفة و السخاء و التواضع و الرفق و غيرها.
الثاني : أسن يكون متدينا بأن يكون محافظا على شرائع الأحكام مجافيا جنبه عن المعاصي و الأثام.
الثالث : أن يعتني بخدمة من يعيش في كففه لينهل من معينه و شمائله، فمن أراد المزيد فليراجع الكتاب الحافل " قصد السبيل" لحكيم الأمة التهانوي رحمه الله فان هذا قد احتوى دفتيه على الكثير مما نحن بصدده.
اللهم وفقنا لما تحب و ترضى عدد ما تحب و ترضى أمين.