بداية رسائل التهدئة ومؤشراتها بين الرياض وطهران بعد التصعيد

بعد هجمات أرامكو قفزت أسعار النفط بشكل حاد وغير مسبوق منذ 28 عاما، واتجهت أنظار العالم صوب الرياض، وحبس كثيرون أنفاسهم في انتظار ما ستقرره السعودية، وهل ستذهب إلى حرب مع جارتها في الضفة الأخرى من الخليج.

طال الانتظار أياما، وتكثفت فيها الاتصالات الخارجية مع رجل الرياض القوي ولي العهد محمد بن سلمان، وعادت فيها إلى الأذهان مرة أخرى صورة حاول الإعلام السعودي ترسيخها وترويجها قبل عامين عبر فيلم دعائي يظهر طائرات وصواريخ سعودية تدك الدفاعات الإيرانية وتدمرها تدميرا، قبل أن يدخل الجيش السعودي فاتحا طهران، ليستقبله الإيرانيون بالورود والإعجاب.

عادت إلى الأذهان مرة أخرى –كذلك- تصريحات سابقة لولي العهد محمد بن سلمان وهو يؤكد منتصف عام 2017 أن السعودية لن تلدغ مرة ثانية من إيران، ولن تنتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، "بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية". غير أن للوقائع المتسارعة لغة أخرى نطقت بغير ما تمناه محمد بن سلمان.

فرغم قساوة الضربة التي تلقتها السعودية في أهم مورد اقتصادي لديها، ورغم تأثيرها الكبير ليس فقط على المستوى الاقتصادي بل أيضا على المستويين السياسي والأمني، وعلى مستوى قوة الردع والمكانة الإستراتيجية؛ فإنها تجنبت اتهام إيران بالمسؤولية المباشرة عنها.

واكتفت -حتى الآن- بالتأكيد على ثلاثة أمور، هي: أن الحوثيين بريئون منها براءة الذئب من دم يوسف، وأنها جاءت من جهة الشمال لا الجنوب، وأنها نُفذت بأسلحة إيرانية.

بدا أن الخطاب السياسي السعودي يتعاطى بحذر شديد -غير معهود عنه في الفترات الأخيرة- إزاء هذه القضية، ويؤكد المسؤولية غير المباشرة لإيران، ويتجنب الجزم بذلك.

هدنة في اليمن
جاء أول المؤشرات على سعي السعوديين للتهدئة بعد هجمات أرامكو قبل أيام؛ حين نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الرياض وافقت على وقف محدود لإطلاق النار في أربع مناطق يمنية، من بينها العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2014.

ورغم أن تلك الخطوة جاءت في الظاهر ردا على إعلان الحوثيين وقف قصفهم للأراضي السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة؛ فإنها في الجوهر تمثل رسالة بالغة الوضوح والدلالة في الرغبة في تخفيض التوتر مع إيران، حليفة الحوثيين الأقوى بالمنطقة؛ خاصة أن الصحيفة ذكرت أن السعودية ستسعى إلى توسيع الهدنة لتشمل أجزاء أخرى من اليمن.

رسل السلام
لم تتوقف محاولات التهدئة السعودية مع إيران عند الرسائل غير المباشرة في اليمن أو مياه الخليج فحسب، بل أخذت طابعا مباشرا تمثل في طلب سعودي رسمي من أحد أقرب أصدقائها المشتركين مع إيران للتدخل رسميا للتوسط بين الدولتين الجارتين.

فقد كشف رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلب منه الاضطلاع بدور الوساطة مع إيران لخفض حدة التوتر في المنطقة.

وقال خان إنه خلال سفره من إسلام آباد إلى نيويورك توقف في السعودية بسبب الهجمات على منشآتها النفطية، وتحدث مع ولي العهد محمد بن سلمان، حيث طلب منه "التحدث مع الرئيس الإيراني". وأضاف أن شيئا ما يجري حاليا ولا يمكنه القول أكثر من ذلك.

استعداد للتنازل
بعد تصريح خان؛ جاء رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي اليوم ليكشف في مقابلة مع الجزيرة عن أن السعودية -وفق ما يعتقد- تبحث عن السلام والتهدئة، مشيرا إلى أن هناك استعدادا لتقديم تنازلات وفتح ملفات كانت مغلقة.

وأوضح عبد المهدي أن زيارته للسعودية –في الأيام الماضية- كانت من أجل التهدئة، وأن حل الأزمة في اليمن يمكن أن يشكل مفتاحا لحل أزمة الخليج.

وأكد أن جميع الدول المعنية بالأزمة في الخليج -ومن ضمنها أميركا- تتحدث عن المفاوضات، وأن السعودية وإيران مستعدتان للتفاوض.

وصلت الرسالة
بعض تلك الرسائل -أو واحدة منها على الأقل- وصلت إلى بريد الرئاسة الإيرانية؛ فقد قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي إن الرئيس حسن روحاني تلقى رسالة من السعودية، سلمها له رئيس إحدى الدول، لكنه لم يقدم أي معلومات عن محتوى الرسالة.

وأضاف المتحدث أن طهران مستعدة للحوار إذا غيرت الرياض سلوكها في المنطقة، وأوقفت الحرب في اليمن، موضحا أن الهجوم البري الأخير للحوثيين على المملكة يؤكد قدرتهم على تنفيذ هجوم أرامكو.

إعلان حرب وعرض سلام
بدت أيضا المقاربة التي قدمها ولي العهد السعودي في حديثه لبرنامج "60 دقيقة" على قناة "سي.بي.أس" الأميركية لافتة؛ حيث اعتبر أن هجمات أرامكو كانت إعلان حرب، ولكنه يفضل السلام.

وقال إنه يتفق مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في أن هجوم أرامكو كان إعلان حرب من قبل إيران، معربا عن أمله ألا يكون الرد على إيران عسكريا، بل سياسيا.

وأكد أن الرياض وواشنطن ترحبان بلقاء الرئيس دونالد ترامب مع نظيره الإيراني حسن روحاني، لكن الإيرانيين هم من يرفضون ذلك.

هو إذن جنوح إلى السلم بعد أن جنحت سفينة الطموح السعودية إلى مضيق لا يحسن ربانها المرور فيه بسلام، وبدا أنه انحناء للعاصفة بعد أن فشلت "عاصفة الحزم".

المصدر : الجزيرة + وكالات

اترك تعليقاً