ليلة العاصفة

بقلم / محمد نعيم حسن

أستاذ قسم اللغة العربية وآدابها

عقرب الساعة تلامس الحادية عشرة ليلا، إذ عبئت بجفوننا سنة من الكرى، فآوينا إلى فرشنا الناعمة الوثيرة، لتكتحل العيون بالنوم ملء الجفون، حتى يعود إلى أجسامنا المكدودة من النشاط والانبساط، فنمنا نوما عميقا، وطفقت نفوسنا تجول في عالم الأحلام ودنيا الأوهام كجاري عادتها...

فما هو إلى ساعات معدودة حتى غضبت الطبيعة، وثارة ثورة شديدة لن تصفها لسان البيان، ولم تكن في الحسبان، فنهضنا من الرقاد خائفين مذعورين، فإذا الرياح المدمرة تهب إلينا بشدة، حتى كادت تقلع الأشجار وتوقض المنازل، والعاصفة تضرب الأبواب والنوافذ ضربات عاتية كرة تلو أخرى، فلم نزل مشهودين ذاهلين هنيهة لم نهتد إلى مكافحتها سبيلا...

ثم بعد لأْي عاد إلينا الصواب؛ فذهب بعضنا يغلق الأبواب و الآخر يشد النوافذ، فما هو إلا لفتة الجيد حتى أخذ المطر يتساقط سقوطا شديدا كأفواه القرب، ورعدة الصاعقة تصمت الآذان..والبرق يكاد يخطف الأبصار..استمر على ذلك ساعات حتى بلغ الزبا، وغمر القيعان والربا..

ومما زاد الطين بلة أن شآبيب المطر أخذت تتسرب في غرفتنا من كواتها و فجواتها حتى سال البلاط بماء منهمر فأنقذنا مضاجعنا من شرورها و جعلنا في زاوية الغرفة..

والرياح تدك جدار القصب دكا و تهزه هزا و يهجم عليه مرة بعد أخرى حتى أهوى إلى الأرض مصروعا منهزما. و قمنا وراء جدار آخر كالطود الراسخ نمسك بخاصره و نذود عنه ضربات العواصف.. حتى أنقذناه من مخالبها بجهد جهيد، ولكنه أصبح رهين المرض الذي لا يزال بحاجة ماسة إلى علاج ناجع...

فقد قضينا البارحة شر ليلة و وقعنا في نكبة فاجئة قلما صادفناها مثلها..قمنا ندافع عنا شرها المستطير بما في وسعنا من طاقات.. و تتردد في ألسنتنا كلمات الاستغفار و الحوقلة تترى فقد دب إلى قلوبنا دبيب الخوف و الذعر مما تجعل جسومنا ترتعد و جلودنا تقشعر. فلم ننشب أن هدأت الثائرة بيد أن السماء لا تفتأ ترسل غزاليها وقتا طويلا...

و قد طار عن جفوننا النوم كالذي تسعى إليه ألسنة اللهيب لتأكله ثم بعد برهة من انقطاع المطر أخذنا مضاجعنا و هجعنا هجعة خفيفة حتى ينفجر الفجر..

اترك تعليقاً