بقلم : محمد هارون العزيزي الندوي
داعية وباحث شرعي سابقا لمركز اكتشف الإسلام ، مملكة البحرين
تلقينا وتلقت الأوساط العلمية والدعوية وميادين دعوة غير المسلمين فى مملكة البحرين الحبيبة وجمهورية بنغلاديش والهند وباكستان ودول مجلس التعاون الخليجي نبأ وفاة الداعية الجليل، والعالم النبيل، فارس الدعوة ، و أكبر الدعاة القدامى البارزين ، وأحد مشاهير العلماء الربانيين بمملكة البحرين وأحد المؤسسين لجمعية اكتشف الإسلام ورئيس قسم الدعوة بها الشيخ أحمـد خان محمد أكبر ، صباح يوم الثلاثاء 10 من شوال 1441 هـ الموافق 2 يونيو 2020م ، عن عمر يناهز 69 سنة ، إثر نوبة قلبية تعرض لها الشيخ فجأة ليلا ، في المستشفى العسكري بمملكة البحرين ، وصلى عليه صلاة الجنازة بعد صلاة العصر أكثر من عشر مرات بحضور جم غفير من المصلين يقدر بالآلاف من العلماء والطلاب ورجال السياسة ورجال الأعمال والمحبين والأصدقاء من عوام الناس من المواطنين والمقيمين من مختلف أنحاء المملكة ، و ووري جثمانه في المقبرة الحنينية بالرفاع ، وخلف الشيخ وراءه أولادا وأحفادا، وآلافا ممن استفاد منه وتلمذ عليه في دروسه الأسبوعية والشهرية في الحديث والتفسير والفقه ووخطاباته الدعوية من العلماء والطلاب وعددا غير قليل من المحبين والأصدقاء. رحم الله شيخنا الراحل وغفرله وأسكنه بحبوحة جنانه وألهم ذويه الصبر والسلوان .
وأنا إذ أعزي أهل الشيخ في هذا المصاب الجلل أعزي أسرة اكتشف الإسلام وعلى رأسهم الشيخ إسحاق راشد الكوهجي والعالم الداعية الشيخ عصام إسحاق الفاروقي والشيخ موسى مصطفى والسيد محمد قدير وغيرهم.
مولده ونشأته :
ولد الشيخ الداعية أحمد خان بن محمد أكبر خان في في قرية من قرى ولاية سرحد بباكستان في العاشر من أكتوبر سنة 1951م ، في أسرة مسلمة عريقة ، نشأ فيها و ترعرع ، وأبوه كان عالما كبيرا محترما لدى الناس ، وأخوه الشيخ المفتي أنورشاه من العلماء الكبار والمحدثين أيضا ، وله شأن رفيع في الأوساط العلمية بباكستان.
أخذ العلوم الابتدائية في مدرسة قريته ، ثم ارتحل إلى كراتشي للدراسات العليا في التفسيروالحديث والفقه وعلوم القرآن وما إلى ذلك من العلوم والفنون العربية ، فالتحق بجامعة العلوم الإسلامية بنوري تاؤن كراتشي ، ومكث سنوات يتلقى دراساته العليا حتى أتم درجة التكميل يعنى دورة الحديث ، ودرس لدى الأساتذة الكبار أمثال المحدث الكبير الشيخ العلامة يوسف البنوري واستفاد منه كثيرا .
رحلته إلى المملكة العربية السعودية
وبعد أن تضلع الشيخ من العلوم والمعارف الدينية والعصرية في باكستان ارتحل إلى المملكة العربية السعودية والتحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للدراسات العليا في الشريعة ومكث سنوات يتلقى العلم والمعرفة من مشائخ الجامعة .
المبعوث إلى البحرين :
وعين داعية مبعوثا إلى البحرين من جانب المملكة العربية السعودية ليقدم الخدمات في مجال الدعوة تحت إشراف مركز الدعوة والإرشاد بالمملكة ، مع مجموعة من أصدقائه العلماء وفيهم الشيخ سعيد قمر الزمان الندوي والشيخ عبد الله عبد الحميد السعدي والشيخ محمد ميان وغيرهم .
مركز اكتشف الإسلام
وفي خلال عمله في مركز الدعوة والإرشاد شارك الشيخ في تأسيس وإنشاء مركز اكتشف الإسلام لدعوة غير المسلمين من الجاليات المقيمة في البحرين إلى الإسلام مع مجموعة من أصدقائه التجار والدعاة . ولم يزل يخدم الدعوة والدعاة في المركز بجميع طرقها وأساليبها حتى آخر حياته .
أسلم على يديه خلق كثير :
لقد بذل الشيخ مجهوداته الجبارة ومساعيه الجليلة لأجل تقدبم الدعوة إلى غير المسلمين ضمن برامج اكتشف الإسلام وقدم تضحيات كبيرة لترقية وتطوير مناهج وأساليب الدعوة في المركز ، حتى أصبح يعرف باسم المركز وأصبح المركز يعرف باسمه ، وأصبح معروفا لدى الجميع من المواطنين والمقيمين من مختلف الجاليات في المملكة ، ولازال يدعو الناس إلى دين الله صباحا ومساءا وليلا ونهارا ، فكان لايطمئن قلبه حتى يسمع من مخاطبه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، حتى أسلم على يديه وعلى يدي من معه من الدعاة العاملين في هذا المجال خلق كثير يقدر بأكثر من أربعة آلاف شخص من بين الرجال والنساء من عديد الجنسيات من الهند والنيبال وبنغلاديش وسريلانكا والفلبين والصين وروسيا وأمريكا وتايلندا ويوغندا وأثيوبيا وألمانيا وغير ذلك من بلاد العالم .
رحلاته الدعوية إلى خارج البلاد
قام الشيخ برحلات كثيرة إلى مختلف بلدان العالم في سبيل الدعوة واشترك في المؤتمرات الدعوية فيها ، منها على سبيل المثال باكستان وبنغلاديش ودول مجلس التعاون الخليجي وأوربا والمملكة المتحدة وأفريقيا وروسيا وسريلانكا والفلبين وتايلاندا وإندونيسيا وغير ذلك من بلاد العالم .
لقد كان يزور بنغلاديش في كل سنة تقريبا ، واشترك في كثير من المؤتمرات السنوية العالمية في بنغلاديش مثل المؤتمر العالمي لجماعة التبليغ ، ومؤتمر سرمونائى ، ومؤتمر بهادربور ، ومؤتمر فينى وغير ذلك ، كما كان يحضر في الاحتفالات السنوية لبعض الجامعات والمدارس القومية في مختلف مناطق بنغلاديش مثل شيتاغونغ ، وكوكس بازار ، وداكا ، وسلهت ، وكوملا ، وبريسال ، وشريعت بور وغير ذلك ، وزار فيها كبار الجامعات الإسلامية مثل الجامعة الإسلامية معين الإسلام هاتهزاري ، والجامعة الإسلامية جيري ، والجامعة الإسلامية فتية ، والجامعة الإسلامية عزيز العلوم بابونغر، وجامعة دار المعارف الإسلامية شيتاغونغ ، والجامعة الإسلامية لال باغ داكا ، والمركز الإسلامي داكا وما إلى ذلك من المدارس والتقى فيها العلماء الكبار والمحدثين العظام ورجال الدعوة والإرشاد ، وكان يتفقد أحوالهم دائما.
دروسه ومحاضراته
وكان للشيخ دروس أسبوعية فيى التفسير فى بعض مساجد المملكة ، يحضرها الطلاب من جميع أنحاء المملكة ، فقد أكمل تفسير القرآن الكريم باللغة الأردية مرار وتكرارا، ووزعت الشهادات في المشتركين أمام جمع كبير من المواطنين والمقيمين ورجال الدولة والعلماء والوجهاء، كما كان له محاضرات دينية شهرية ببعض المناسبات عن الدعوة والتربية والتعليم ، وكان يحضر في شهر رمضان المبارك في موائد الإفطار للجاليات التي تقام من جانب مركز اكتشف الإسلام في مختلف المخيمات وجوامع المملكة لغرض تقديم الدعوة ولإدلاء الكلمات التوجيهية والإرشادية ، ويساهم في انجاح المشروع الدعوي والتربوي مساهمة فعالة ، ولايتخلف عن الاشتراك في البرامج الإذاعية التي تذاع وتنشر من جانب المركز لتوعية الجاليات عبر إذاعة FM البحرينية طوال شهر رمضان المبارك بعنوان " شهر الرحمة" . وكان يزور السجون البحرينية لغرض الدعوة ، وكان يأخذ المسلمين الجدد كل أسبوع إلى المحاكم الشرعية (الدوائر السنية) لإتمام الإجراءات الرسمية من إشهار إسلامهم ونطق الشهادة أمام القضاة وتجهيز مستندات اعتناقهم للإسلام رسميا من جانب حكومة البحرين الغالية .
خطبته للجمعة :
وكان خطيبا من جانب إدارة الأوقاف السنية لمسجد عبد الله ناس بالمنطقة الصناعية في مملكة البحرين ، يعظ الناس ويدعوهم في خطبه إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والأخذ بتعاليم دين الله الحنيف في كل شأن من شؤون حياتهم ، وإلى الامتثال بالأوامر والاجتناب عن النواهي ، ويبين لهم ما يحتاجون إليه من مسائل الدين في مشاكل حياتهم اليومية.
خلقـه وأدبـه :
كان الشيخ من الذين عاشوا حياتهم لله ، ونذروا أنفسهم وملكاتهم ومواهبهم في سبيل الله عبر نشر العلم الصحيح وتقديم الدعوة في الناس ، كان متواضعا هادئا ، سهلا لينا ، متبعا للسنة، ذا خلق كريم ، مقتنعا بالقليل من متاع الدنيا ، وعارفا ربانيا ، ذاكرا لله خاشعا ، عكف نفسه فى سبيل الدعوة والإرشاد ، كان رباني الأخلاق والسلوك ، عفيف اللسان ، كان لايحقد على أحد ، ولايضمر لأحد غلا ولاشرا ، لايذكر أحدا بسوء لاحضورا ولاغيبة ، كان يشجع الدعاة والمتطوعين والعاملين في مجال الدعوة ، وكان يقدر ويثمن كل عمل صغير أو كبير ينجزه الدعاة في المركز بعباراته الرنانة الحلوة الأخاذة بمجامع القلوب .
لقد فقدنا بوفاته داعية عالميا عظيما ، وعالما ربانيا شهيرا ، عشت معه عقدين من الزمن ، في أرض البحرين الغالية وفي مركز اكتشف الإسلام وتحت إشرافه خاصة ، ورأيته عن كثب ، فما لمست منه طيلة هذه المدة إلا الرفق واللين ، والمحبة والمودة ، والسماحة والعفو ، والكرم والسذاذة والتواضع ، واحترام الآخرين وإعطاء الفرصة لهم ، وإكرام الناس وإيثارهم على أنفسهم ولوكان به خصاصة ، والخوف من الله والخشية منه ، والذكر وتلاوة القرآن والخشوع والتضرع ، والتضحية والتفاني في سبيل الله ، والشوق والرغبة إلى نشر التعليم والتربية والدعوة والإرشاد وتبليغ رسالة الإسلام السمحة الخالدة إلى العالم .
فهذا غيض من فيض من ذكرياته الطيبة ولوجمعت كله لأصبح مجلدا ضخما ، وكل هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على حسن أخلاقه وحبه للعلم وأهله وطلابه واهتمامه بنشر علوم الدين والدعوة على المدى الواسع وترجيحه وإيثاره الدين على الدنيا الدنيئة الفانية .
اللهم فاغفر لعبدك شيخنا الفقيد الراحل و ارحمه و عافه و اعف عنه و أكرم نزله ، ووسع مدخله و اغسله بالماء و الثلج و البرد ، وباعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب ، و نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر، واجعل قبره روضة من رياض الجنة ، اللهم أنزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور، اللهم أفسح له في قبره ونور له فيه برحمتك يا أرحم الرحمين.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاةوالسلام على رسول الله وآله وأصحابه ومن اتبع هداه
رحم الله فقيد العلم والدعوة الشيخ أحمد خان وتغمده بغفرانه وأسكنه فسيح جنانه
وجزى الله الشيخ هرون العزيزي الندوي خيرا على ما قام بتعريف هذا العلم الشامخ الجليل، الى من لم يعرفه قبل،
فكان ماكتبه بمثابة لسان صدق في الآخرين،