دور المدارس القومية في تنمية المجتمع البنغلاديشي وتطويره دينيا وثقافيا

بقلم : محمد هارون العزيزي الندوي

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن سار على نهجه ودعا بدعوته واتبع سنته إلى يوم الدين. وبعد !

فإن المدارس القومية في بنغلاديش لها أثر كبير بعيد المدى، ودور ملموس بارز، في تنمية المجتمع البنغلاديشي وتطويره دينيا وثقافيا وعقديا وأخلاقيا، ولها مساهمات فعالة في إنقاذ المجتمع من هوة الضلالة والغواية، ومحو الأمية والجهل، وقمع البدع والخرافات، ونبذ الشرك والكفر واللادينيات والإلحاد والزندقة، وأخذهم إلى المقام الرفيع من الرقي والتقدم الفكري والحضاري والثقافي، وإرساء العقائد الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة الصحيحة في نفوس المسلمين، وإعادة الثقة فيهم بالله وبدينه، وإيقاظ روح التعاون والتعايش السلمي والاحترام المتبادل والتفاني في الله والتضخي بكل مايملك من غال ورخيص ونفس و نفيس في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه وإحياء سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسلوك المعتدل الوسطي مع الجميع.

أولى المدارس القومية :

مما لايشك فيه إثنان أن تاريخ المدارس والجامعات القومية والأهلية يرجع إلى أزهر الهند دارالعلوم ديوبند، أكبر وأقدم جامعة إسلامية أهلية في شبه القارة الهندية، أنشئت كمدرسة صغيرة تهتم لدراسة العلوم الدينية والعربية في 15 / محرم 1283ه الموافق 31 / مايو 1867م بعد ماقضي الإنجليز على الحكم الإسلامي، ولفظت الدولة المغولية أنفاسها الأخيرة، وفشلت ثورة 1857م في الهند، وكادت أن تتكرر قصة إسبانيا على أرضها لولا أن تدارك أصحاب الإيمان الراسخ والغيرة الربانية من العلماء المخلصين بقيام هذه المدرسة الصغيرة كنواة أولى لهذه الحدائق العلمية المنتشرة في العالم اليوم، والتي لازالت تؤتي ثمارها اليانعة وأكلها كل حين بإذن ربها وفي كل بلد.

كما ثبتت هذه المدرسة كحصن حصين ومعقل منيع للإسلام والمسلمين في الهند، بدأت بمعلم واحد وتلميذ واحد ، وإسم كليهما محمود فكانت النتيجة محمودة جدا، بدأت كمدرسة ابتدائية ثم ترعرعت حتى أصبحت جامعة كبيرة لاتدانيها أي جامعة في شبه القارة الهندية.

ثم بدأ العلماء والصالحون ينتهجون نهجها ويسلكون مسلكها في كل قطر من أقطار الهند، فأقاموا مدارس قومية وكتاتيب قرآنية، وتجاوزت هذه الفكرة حدود الهند حتى بلغت باكستان وبنغلاديش و البلدان المجاورة حتى عمت الآفاق، فأنشئت مدارس وجامعات كثيرة على نفس الطريق في هذين البلدين وفي كثير من بلدان العالم .

واقرأ أيضا : المدارس القومية في شبه القارة الهندية ودورها في تكوين المجتمع المثالي

وضــع بنغــلاديش :

وأول مدرسة أسست من هذه السلسلة الذهبية مدرسة الجامعة الأهلية دارالعلوم معين الإسلام هاتهزاري في شيتاغونغ كمؤسسة دينية تعنى بتعليم الدين الحنيف حسب الدرس النظامي، ثم بدأت الحركة تتصاعد وتنتشر حتى أنشئت المدارس والجامعات على نفس المنوال في أكثر مناطق بنغلاديش، وحاليا لاتجد في بنغلاديش قرية إلا وفيها مدرسة من هذه السلسلة المباركة صغيرة كانت أو كبيرة، أو كتاب من كتاتيب قرآنية، أو معهد من معاهد العلوم الإسلامية.

وهذه المدارس والجامعات القومية تدرس فيها علوم الشريعة الغراء من التفسير وأصوله والحدبث وأصوله والفقه وأصوله والإفتاء وأصوله، وعلوم اللغة العربية وآدابها من النحو والصرف والفصاحة والبلاغة والبيان والمعاني والبديع والشعر و الإنشاء والسيرة والتاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق وعلم الحساب والهندسة ومن اللغات اللغة العربية واللغة الأردية والبنغالية والأنكليزية.

وتنتهج هذه المدارس في مناهجها الدراسية منهج الدرس النظامي، وتشتمل دراساتها على المراحل الابتدائية والثانوية والمتوسطة والجامعية ، يدرس فيها الطلاب اثنتي عشرة سنة لكي يكملوا دراساتهم الإسلامية، ويحصلوا على شهادات العالمية والفضيلة في الشريعة والعلوم العربية، وفي كل سنة دراسية تخرج فيها عدد كبير من حفاظ القرآن الكريم وعلماء الشريعة وفضلاء الدين الإسلامي الذين يقدمون للأمة والشعب البنغالي خدمات جليلة في شتى مجالات الحياة تكاد لاتحصر بالحصر.

وهولاء الخريجون في المدارس والجامعات يساهمون مساهمة كبيرة ويشاركون مشاركة فعالة في بناء الحضارة الإسلامية وتنمية المجتمع بكل معاني الكلمة، ومحو الأمية والجهل منهم ، كما يساعدون في دفع الفرد والمجتمع إلى الرقي والازدهار والتقدم والرفاهية والمدنية، وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية الغراء.

فبفضل هذه المدارس والجامعات القومية وجد في بنغلاديش ولازال يوجد مجتمع من البشر مثالي راشد في دينهم وأخلاقهم وإيمانهم وأعمالهم ومعاملتهم مع الآخرين ، مهتمين بدينهم وعلاقتهم مع الله أكبر من كل شيئ .

واقرأ أيضا : المدارس القومية في بنغلاديش

الدور الحاسم :

إن المدارس الدينية والجامعات القومية تخدم الوطن والمجتمع والشعب خدمات ليس فوقها خدمة ، وتلعب في كل عصر دوراً حاسماً في جميع الميادين العلمية والفكرية، والإصلاحية، وتساهم في منح الشعوب ، الحرية والسعادة وتنقذها من براثن الشرك والكفر ، والالحاد والزندقة واللادينية ، والجهل والأمية والتخلف، والخرافات والتقاليد الجاهلية .

ويشهد التاريخ على أن المدارس القومية حصن حصين وسد منيع ضد كل التيار الجارف للإلحاد وضد كل الأفكار الزائغة الباطلة التي تريد أن تنتشر وتزدهر في المجتمع بين الفينة والأخرى . وهي كذلك مصانع ومعامل لإنشاء الرجال الأكفاء وصناعة الشعب اللائق للدين والوطن والقوم وتربيتهم تربية إيمانية ثقافية تلائم العصر.

و لهذه المدارس صلة قوية وطيدة و رابطة عميقة وثيقة بنشر نور الرسالة المحمدية من جهة واتصال مباشر بحياة الشعب من جهة أخرى. فكان هذا سرّ نجاح المدارس القومية على مرّ العصور وتعاقب الدهور.

لو نظرت إلى التاريخ الإسلامي نظر باحث متفحص لوجدت أن المدارس القومية هي التي صدّرت للعالم نور العلم من الكتاب والسنة.

وهي التي أجدفت ولازالت تجدف سفينة الأمة بمجداف التعليم والتربية إلى بر الرشد والهداية والأمن والأمان .

إن المدارس القومية هي مهد العلم والحرية والوعي الإسلامي، والفكر السليم، والعقيدة الراسخة المنبثقة من التعاليم الإسلامية؛ وقد أدت هذه المدارس دور القلب القوي الذي ينبض بالحياة والحيوية في جسد المجتمع وأزالت عن المجتمع آثار الغفلة والسآمة والذبول.

وتتصل سلسلة هذه المدارس القومية الذهبية بمدرسة المدينة المنورة المسماة بـ "الصُفّة "، مدرسة الرعيل الأول لهذه الأمة، مدرسة المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، أول مدرسة دينية أسست على التقوى فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونشرت إلى العالم دروس الإخلاص والحياة الكريمة في ظلال التشريع الإسلامي.

وكلما مدّ الظلام جناحيه على الإنسانية في التاريخ كانت المدارس هي التي أضاءت للناس طريق النجاة إلى المستقبل المشرق الوضاء.

نعم؛ إن المدارس القومية الدينية المنتشرة في مختلف أنحاء بنغلاديش هي مصادر الحرية، والعلم، والحياة الطيبة في ظلال التشريع الإسلامي الذي ضمن السعادة للبشرية ، وليست هي مصانع الإرهاب والإرهابيين كما يزعم بعض الناس.

بقلم : محمد هارون العزيزي الندوي

أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية عزيزالعلوم بابونغر، شيتاغونغ

إمام وخطيب وداعية وباحث شرعي بمركز اكتشف الإسلام مملكة البحرين .

اترك تعليقاً